قبل ساعات من حلول السنة الميلادية الجديدة 2011، تشهد أوروبا تصعيدا في التهديدات الإرهابية التي تواجهها، بدءا من مفجر استوكهولم إلى التهديدات بالطرود التي وصلت إلى عدد من السفارات في أنحاء أوروبا، بينها طرود انفجرت في سفارتي سويسرا وتشيلي في روما، وتبدو العديد من البلدان الأوربية في حالة تأهب قصوى خشية تعرضها لاعتداءات إرهابية تنغص احتفالات رأس السنة الجديدة. ليس اليمن ولا الصومال ولا باكستان، إنما هي بريطانيا التي تسبب محور المخاوف الأمنية بسبب سجل تنامي عنف الجماعات الأصولية فيها، خاصة بعد هجوم انتحاري في السويد شنه رجل تحول إلى النزعة المتطرفة في المملكة المتحدة. هذا ما يراه منتقدو سياسات بريطانيا في مكافحة الإرهاب، ويقولون «إن الهجوم الذي وقع في استوكهولم يظهر أن الخطر الحقيقي الذي يواجه بريطانيا هو غض الجهات الرسمية الطرف منذ وقت طويل عن الفكر الأصولي المناوئ للغرب المنتشر بين المسلمين البريطانيين». وفي إشارة إلى تنامي النزعة الإسلامية في بريطانيا، ابتكرت المعلقة البريطانية ميلاني فيليبس المنتقدة الحادة للسياسات الحكومية، لفظ «لندنستان» كاشتقاق من أفغانستان، وكتبت قائلة: «مفجر استوكهولم ليس سوى أحدث صادرات لندنستان، وما لم تنهض الحكومة وتغير استراتيجيتها الكارثية أخشى كثيرا أنه لن يكون التفجير الأخير». إحباط مخطط دموي ببريطانيا وكشف مسؤولون أمنيون بريطانيون عن أن المخطط الإرهابي الواسع الذي اعتقل بسببه 12 مشتبها بهم في بضع مدن بريطانية قبل أيام، كان يشمل تفجيرات عدة في مواقع رسمية ومرافق عامة ومراكز تسوق. وذكرت الشرطة أنها اعتقلت 5 رجال من كارديف في ويلز و4 من ستوك أون ترنت وسط إنجلترا و3 من لندن. وقال متحدث باسم الشرطة إن اعتقال أولئك الأشخاص جاء «للاشتباه في ارتكاب أو الإعداد أو التحريض على عمل إرهابي في بريطانيا». وأضاف المتحدث باسم شرطة ميدلاند أن المعتقلين تراوح أعمارهم بين 17 و28 عاما في وقت أشارت فيه تقارير إعلامية إلى أن عناصر الشرطة قامت بتفتيش منازل المعتقلين ومنازل أخرى في مدينة بيرمنغهام ولندن. وقالت مصادر مقربة من الشرطة البريطانية ل«الشرق الأوسط»، إنه يعتقد أن المعتقلين خمسة منهم من أصول بنغالية، وإنهم متعاطفون مع تنظيم القاعدة وليسوا منضمين إليه. وأوضح جون ييتس مساعد مفوض شرطة لندن ورئيس قسم مكافحة الإرهاب، أن عملية الاعتقالات تمت على نطاق واسع وبقيادة المخابرات وكانت مقررة سلفا ولا تزال في مراحلها المبكرة. وكان قائد شرطة لندن بول ستيفنسون حذر في وقت سابق من أن خطر الإرهاب في المملكة المتحدة وصل إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، ودعا البريطانيين إلى توخي اليقظة حيال ما وصفه بتطرف الجماعات اليمينية وتهديدات «القاعدة». وتضع بريطانيا حاليا مستوى التهديد الإرهابي عند درجة خطير، وهذا يعني أن الهجوم «مرجح جدا». وحذر مسؤولون أمنيون من أن تفجير استوكهولم هو جزء من مؤامرة مفترضة أطلق عليها «خطة أعياد الميلاد» كانت تشمل اعتداءات إرهابية في عدد من المدن البريطانية بينها العاصمة لندن، وأن من بين الأهداف المحتملة مبنى البرلمان ومرافق عامة ومراكز تسوق في مختلف أنحاء المملكة المتحدة. وفي روما، قالت الشرطة أول من أمس إن عبوة عثر عليها أمس في عربة قطار أنفاق خالية من الركاب في العاصمة الإيطالية كانت غير معدة للتفجير لأنها لا تحتوي على صاعق. وكانت هيئة النقل الإيطالية ذكرت أن العبوة التي وصفتها الشرطة بأنها بدائية الصنع كان يمكن أن تنفجر. لكن ناطقا باسم الشرطة قال «لم يكن بها صاعق. لا يمكن أن تنفجر»، موضحا أن العبوة كانت تحتوي على كمية صغيرة من مسحوق لم تعرف ماهيته. رأس السنة.. في خطر! وفي الأممالمتحدة في نيويورك، تم إخلاء قاعتي مجلس الأمن والجمعية العامة للمنظمة الدولية بسبب رائحة غاز نجمت عن تسرب. ونقل اجتماعان كانا مقررين فيهما إلى قاعتين أخريين، قبل أن يسمح للمجتمعين بالعودة بعد وقف التسرب. إلا أن القيادي السابق في «مجلس شورى الجماعة الليبية المقاتلة» كبير محللي مؤسسة كويليام البريطانية لمكافحة التطرف أكد ل«الشرق الأوسط» أن طريقة الاعتقال تشير إلى أنه لم يكن هناك «خطر حتمي» من هؤلاء المعتقلين. وأوضح ابن عثمان الذي شارك في تدشين المراجعات الليبية: «إن كان هناك أي شبهة فربما هي متعلقة بمراحل أولية في التحضير لعمل إرهابي». وطرح ابن عثمان تساؤلا قال فيه: «إن كانوا في مراحل أولية فلماذا تم اعتقالهم بهذه السرعة؟». والعادة في أوروبا تتم مراقبة المشبوهين حتى المراحل قبل الأخيرة لتنفيذ العملية. وأعرب عن اعتقاده أن مداهمات «أعياد الميلاد» جاءت ضمن تداعيات عملية استوكهولم، مما عجل باتخاذ قرار لتنفيذ الاعتقالات. وأشار إلى أن عملية «أعياد الميلاد» تحمل إشارة إلى عدة أطراف في بريطانيا، مفادها أن أجهزة الأمن وحماية القانون متيقظة ومتربعة وقادرة على الاعتقال في أي لحظة، مما يعني أيضا أنها «رسالة أمنية» لمن قد يفكر في انتهاك قوانين مكافحة الإرهاب أو القيام بأي عمل في بريطانيا. وبحسب القانون البريطاني، أمام السلطات 28 يوما لتوجيه الاتهام إلى المعتقلين أو الإفراج عنهم والسماح لهم بالعودة إلى عوائلهم وأطفالهم. وعما يتردد أن القيادي إلياس الكشميري هو الذي يجند مشبوهين من بريطانيا لتنفيذ عمليات في أوروبا، قال ابن عثمان «إن هذا الرجل يعتبر أخطر شخصية على وجه الأرض، وهو الذي خلف المصري مصطفى أبو اليزيد الذي يعرف باسم الشيخ سعيد المحاسب قائد (القاعدة) في أفغانستان الذي قتل بصاروخ أميركي من طائرة من دون طيار في جوان الماضي». ويعتبر مصطفى أبو اليزيد الملقب بالشيخ سعيد المصري، الذي ولد في ديسمبر 1955 بمحلة الشرقية في دلتا النيل بمصر من الذين شاركوا في تأسيس تنظيم القاعدة عام 1989 بعد مشاركته في الجهاد الأفغاني. وعمل مصطفى أبو اليزيد محاسبا لدى بن لادن خلال السنوات التي قضاها في السودان قبل أن يضطر لمغادرته عام 1996 متوجها إلى أفغانستان. وتم الإعلان عن تعيين أبو اليزيد قائدا عاما لتنظيم قاعدة الجهاد في أفغانستان في ماي 2007 وكان ذلك أول ظهور إعلامي له. وقبل ذلك كان عضوا فيما يسمى مجلس شورى القاعدة. ويضيف ابن عثمان من الناحية العسكرية يعتبر إلياس الكشميري قائد الوحدة العسكرية رقم 313 وعملها خارج باكستانوأفغانستان وجزء من نشاطها في بريطانيا. وبحسب مصادر غربية، يعتبر الكشميري وهو من مواليد فبراير (شباط) عام 1964، لم يكمل دراسته الجامعية لتغلغله العميق في الأنشطة الجهادية في كشمير وأفغانستان، العقل المدبر والمخطط والمنفذ لعمليات مومباي الإرهابية. وتزعم مصادر غربية أن مهمة إلياس الكشميري هي تجنيد بريطانيين وتدريبهم لشن هجمات على غرار هجمات مومباي في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا خلال فترة أعياد الميلاد. وكان الكشميري فقد إحدى عينيه والسبابة بينما كان يقاتل القوات السوفياتية في أفغانستان. وقال ضابط كبير في الجيش الباكستاني لمجلة «نيوزويك» إن مهارات الكشميري تتمثل في صلاته بالجماعات المسلحة في الشريط القبلي «مما تجعل منه الرجل الأكثر خطورة بالنسبة لباكستان وأوروبا والولاياتالمتحدة». وقالت مصادر غربية إن التقارير التي تحدثت عن مقتل اثنين من المسلحين البريطانيين في هجوم بطائرة من دون طيار في منطقة وزيرستان الشمالية بداية الشهر، حيث أنشأ الكشميري قاعدته، جعل الإنتربول يحذر من أن تنظيم القاعدة يعتزم تنفيذ عمليات في أوروبا أو أميركا خلال فترة أعياد الميلاد. حرب عصابات! ويصنف القائد إلياس كشميري من قبل المخابرات العالمية على أنه أخطر وأنجح وأكثر قادة حرب العصابات تأثيرا في العالم. اعتقل على أيدي القوات الهندية في كشمير وتمكن من الفرار، ثم اعتقلته المخابرات الباكستانية عام 2003 بتهمة تدبيره عملية اغتيال برويز مشرف لكن أفرج عنه لغياب الأدلة ثم اعتقل بعدها عام 2005، وتمكن من الفرار واختفى بعدها أثره بشكل نهائي بعد أن غادر كشمير إلى منطقة القبائل (وزيرستان). وقد أعلنت المخابرات الأميركية والباكستانية عن مقتل القائد محمد إلياس كشميري في قصف لطائرة من دون طيار في وزيرستان في سبتمبر 2009، ولكن الرد عليهم كان بعمليات غزوة مومباي التي نفذها أشبال اللواء 313. إلى ذلك عبر منتقدون عن قلق مماثل بعد فشل نيجيري تلقى تعليمه في لندن في تفجير طائرة كانت متوجهة إلى مدينة ديترويت الأميركية يوم 26 ديسمبر من العام الماضي، مما أثار مخاوف من أن تكون العاصمة البريطانية قد عادت للدور الذي لعبته في التسعينات من القرن العشرين عندما كانت معقلا للإسلاميين في أوروبا تحت مسمى «لندنستان. وثار غضب النيجيريين بسبب وضع بلدهم على قائمة للدول التي تحتاج إلى تشديد عمليات تفتيش مسافريها جوا. وكتب وولي سوينكا الكاتب النيجيري الفائز بجائزة نوبل للآداب في صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في وقت سابق من العام الحالي قائلا «إذا كان لنيجيريا أن تحتل مكانا على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، فإنه يجب الاعتراف بأن بريطانيا أكثر من مؤهلة لذلك». وتفجير السويد هو الأحدث في سلسلة من الهجمات تعود إلى التسعينات شنها شبان إسلاميون متشددون تلقوا تعليمهم في بريطانيا، وترجع جذور الكثير منهم إلى منطقة جنوب آسيا التي كانت تحكمها بريطانيا، خاصة باكستان. ويبدو أن السويد دخلت على خط اللوثة الأميركية للإرهاب، فما هي سوى أيام قليلة على عملية التفجير التي استهدفت وسط العاصمة (استوكهولم) حتى أعلن عن 200 مسلح رصدتهم الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يدخل من دون شك في باب التهويل. علامات استفهام كثيرة تحيط بالعملية التي نفذها الشاب العراقي تيمور عبد الوهاب في العاصمة السويدية، والتي لم يقتل فيها سواه، بينما جرح اثنان آخران جروحا طفيفة، فهي إذا استبعدنا تماما نظرية الاختراق، لا تعدو أن تكون محاولة فردية من النوع البائس، أي أن تيمور هو من الشباب الذين انضموا إلى ساحة الجهاد تأثرا بالأدبيات الجهادية على مواقع الأصوليين على الإنترنت، وحاول تنفيذ عملية بمفرده، من دون استبعاد حصوله على مساعدة من شخص آخر أو أكثر. وبعد هجمات سبتمبر عام 2001 على الولاياتالمتحدة، شنت بريطانيا حملة على ما اعتبره الكثيرون مشهدا خطيرا للتشدد الأصولي لكن الثقة الدولية في سيطرة بريطانيا على المشكلة تضاءلت بعد سلسلة من المخططات المتلاحقة ومن بينها تفجيرات لندن عام 2005 والتي قتل فيها 52 شخصا. وكشف موقع «ويكيليكس» الإلكتروني عن برقية للسفارة الأميركية تعود لعام 2006 أشارت إلى أن بريطانيا «حققت تقدما ضئيلا» في دمج الأقلية المسلمة فيها التي يقدر عدد أفرادها بما يصل إلى مليوني شخص رغم استثمار الكثير من الموارد والوقت. وضع خطير.. وزاد تفجير السويد من خطورة الأمر. واعترف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأن حكومته لا تبذل ما يكفي من جهد لمواجهة الخطر. ويعتقد أن المفجر الذي شن هجوم استوكهولم واسمه تيمور عبد الوهاب أصبح أصوليا في بلدة لوتون البريطانية التي تعاني من البطالة وانقسامات اجتماعية يقول محللون إنهما ساعدتا على تنامي الجماعات المتطرفة التي تضم المتعصبين للبيض والإسلاميين الأصوليين. وزاد تجنيد الجماعات المتشددة في الخارج لبريطانيين بعد مشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003 الذي قوبل بمعارضة قوية من مسلمي بريطانيا ومن قطاعات أخرى في المجتمع البريطاني. وقال أشخاص كانوا يصلون مع عبد الوهاب في مسجد ببلدة لوتون إنهم كانوا يعلمون أن لديه أفكارا أصولية وهي حقيقة يبدو أن الشرطة والسلطات المحلية البريطانية لم تكن على دراية بها. ويقول خبراء أمنيون إن هذا يمثل هفوة للمخابرات لكن المشكلة جذورها أعمق. وتتمحور سياسة بريطانيا في مكافحة الإرهاب حول قناعة بأن ملاحقة شبكات المهاجمين واعتقالهم أمر مهم وعاجل إلا أن خطر شن هجوم لن يتلاشى إلا بعد إقناع الشبان بعدم الانضمام إلى الجماعات الإرهابية. ويقول محللون إن سياسة مكافحة النزعة الأصولية التي بدأتها الحكومة السابقة ما زلت حتى الآن تقابل بشك من مجتمعات المسلمين في بريطانيا الذين يرون في البرنامج محاولة للتجسس ووصما يشوه صورة المسلمين. ويرى منتقدون أن البرنامج فشل لأنه خلط بين العمل على بناء جسور التسامح بين المجتمعات وجمع معلومات المخابرات. وقال فريق الأمن في حكومة كاميرون إنه سيعمل على تحديد الفرق بين الأمرين بشكل أوضح في تعديل سيدخله على البرنامج. ويقول خبراء إن الاستراتيجية الجديدة لم توضع حتى الآن رغم مرور 7 أشهر على بدء حكومة كاميرون عملها وذلك لأسباب من بينها مشكلات سببها خفض كبير في الميزانية بسبب تقليص الإنفاق الحكومي. ويقول محللون متخصصون في مكافحة الإرهاب إن بعض الجهود الخاصة بتقديم النصح والمشورة للشبان الذين يميلون لفكر الجماعات الموالية لتنظيم القاعدة فقدت قوة الدفع في غياب السياسة الجديدة.