تحدّيات داخلية وتهديدات خارجية * الأمن القومي الجزائري.. هل هو في خطر؟! * يتّفق معظم الباحثين في الميدان الجيو-اقتصادي والجيو-استراتيجي على أن الدولة الجزائرية باتت حاليا وأكثر من أيّ وقت مضى في مواجهة جملة من التحدّيات المختلفة التي تصل إلى درجة التهديدات المُشكّلة لخطر ليس فقط على توازناتها الاقتصادية الاجتماعية والسياسية بل يصل هذا الخطر إلى درجة تهديد أمنها القومي في حدّ ذاته. وتأسيسا على ما سبق التقدّم به نتساءل جدلا ونقول فيما تتمثّل هذه الأخطار؟ وكيف لها القدرة على تهديد الأمن القومي الجزائري في الآفاق المقبلة؟ يتّفق الجميع على أن الاقتصاد الوطني الجزائري اقتصاد ريعي بشكل شبه مطلق والاقتصاديات الرّيْعية تعني فيما تعنيه تلك الاقتصاديات التي تعتمد في تحقيق غالبية إيراداتها السنوية على العائدات المالية والاستثمارية المُتأتّية أو النّاتجة عن استغلال ثروات وموارد طبيعية كالمحروقات والتي ليس للإنسان وجهده العضلي والفكري أيّ دور في خلقها وعلى هذا الأساس تُشكّل نسبة المحروقات (النفط والغاز الطبيعي) في الإيرادات الجزائرية أغلبية مداخيل الجزائر. فبخصوص الميزانية نجد أن أكثر من 60 بالمائة من حجم هذه الأخيرة تأتي من أموال وعائدات الجباية النفطية والغازية (الضرائب المُحصّلة من القيمة المالية لتصدير المحروقات) إضافة إلى كون أن ما يناهز ال 98 بالمائة من صادرات الجزائر الخارجية عبارة عن محروقات ومواد أوّلية خامّة وهي التبعية التي أخذت تتعاظم عبر السنين المختلفة لتصل إلى حوالي 98 بالمائة. مكمن الخطر لذا فإن مكمن الخطر في هذا الصدد يتمثّل في أن استمرارية هذا الوضع لسنوات قادمة وفي ظلّ أزمة انهيار أسعار النفط التي تشهدها الأسواق الدولية في الوقت الرّاهن سيقود دون شكّ نحو أزمة اقتصادية وطنية ثمّ اجتماعية ثمّ سياسية فأمنية. فإذا علمنا بأن الاحتياطيات النفطية والغازية المؤكّدة للجزائر لا تتجاوز حاليا 12 مليار برميل بالنّسبة للنفط و4500 مليار م3 بالنّسبة للغاز الطبيعي وفي ظلّ البحث المتواصل عن أنجع الطرق المناسبة للاستغلال العقلاني (الذكي) لاحتياطيات الجزائرالمالية والتي جنتها في السنوات التي عرفت ارتفاع أسعار المحروقات وذلك لبلورة مشروع وطني اقتصادي متكامل يقوم على توازنات هادفة لبناء خطّة إصلاحية للتنمية المستدامة فإنّ الجزائر وحسب رأي الخبراء الاقتصاديين قد تدخل في السنوات المقبلة في ظلّ تواصل ارتفاع الطلب الداخلي على النفط والغاز (لأغراض التدفئة النقل وغير ذلك) وفي ظلّ تزايد عدد سكّان الجزائر حيث سيصلون إلى حوالي 50 مليون في آفاق 2025 ممّا يعني ضرورة زيادة معدلات الاستيراد لمواجهة طلبات هؤلاء السكّان (من المواد الغذائية الكماليات الآلات الصناعية...) والتي ستصل إلى حدود 70 مليار أورو في آفاق 2020 على الأكثر بينما تتراجع إيرادات البلاد إلى أقلّ من 40 مليار أورو سنويا بسبب من جهة تقلّبات أسعار النفط والغاز الطبيعي والتي بدأت معالمها الأولى في الظهور منذ الآن والتراجع الذي ستعرفه صادرات البلاد من المحروقات مستقبلا من جهة أخرى قد تدخل في مرحلة من الضعف العام التي قد تصل إلى انفجار أزمة اقتصادية كبرى شبيهة بأزمة 1986 التي قادت الجزائر في تلك الفترة إلى وضعية الاستدانة الخارجية ومن ثمّة إعادة الهيكلة والوقوع تحت وصاية النّظام الاقتصادي العالمي الذي تسيطر عليه القوى العظمى الغربية (الولايات المتّحدة فرنسابريطانيا...) ومن ثمّة سيصبح من الصعب بما كان على الجزائر المحافظة على سياسات الدعم الاجتماعي والتي تمّ إرساؤها بفضل ضخّ أموال المحروقات في النّظام الاجتماعي على شكل زيادات في الأجور دعم للأسعار قروض وغير ذلك فتزداد البطالة وتتوقّف مشاريع النمو والسكن والبنية التحتية المموّلة جميعها من البرامج الحكومية ذات المصادر الريْعية وتزداد الحاجات الصحّية السكن والتعليم بسبب عدد السكّان الذي سيعرف زيادة حتمية مقابل تراجع مُوازي في القدرات الاقتصادية الجزائرية فتتحوّل الأزمة من اقتصادية لاجتماعية ومن اجتماعية إلى سياسية فأمنية قد تستغلّها أطراف خارجية معادية للجزائر لمحاولة ضرب الاستقرار والأمن فيها محاولين تكرار سيناريو ما قامت به بعض القوى الغربية الكبرى في السودان مثلا (خاصّة فرنساوالولايات المتّحدة الأمريكية) عندما استغلّت (أي هذه القوى) القدرات المالية والاقتصادية المحدودة للسودان لتأجيج سكّان الأقاليم الجنوبية لهذا البلد (ذوي الأصول الزنجية) من خلال إيهامهم بأن حكومة الخرطوم تتعمّد تجويعهم وممارسة التمييز العرقي ضدهم ممّا دفع بهم إلى المطالبة بالانفصال عن السودان وتأسيس كيان خاصّ بهم وهو ما حدث انطلاقا من جانفي 2011 ممّا أدّى إلى تفكّك السودان إلى دولتين وبالتالي تمكّنت هذه القوى من هدفها عبر تحريك المتغيّر الاقتصادي والاجتماعي هناك. الأخطار الخارجية.. الإقليمية منها والعالمية لابد أن الجميع لاحظوا أن العلاقات الدولية أضحت منذ عام 2009 في صراع غير مسبوق بين القوى التقليدية (الولايات المتّحدة الأمريكيةفرنسابريطانيا...) والقوى الاقتصادية الصاعدة (الصينروسياالبرازيل وغيرها). فالأزمة الاقتصادية العالمية جعلت هذه الأخيرة والتي لم تتأثّر بالأزمة بشكل بالغ تسعى لاستغلال هذا الوضع لاكتساح العلاقات الدولية عبر محاولة هدم النّظام الدولي القائم وبناء نظام جديد تلعب فيه دورا سياسيا اقتصاديا وقراريا له القدرة على إضعاف القوى التقليدية وتحييد دورها وهو الهدف الذي تفطّنت إليه هذه الأخيرة (الولايات المتّحدة فرنسا...) وأخذت تسعى لإفشاله. وفي ظلّ احتدام هذا الصراع تحوّلت الدول الصغرى إلى ساحات معارك هذه القوى الكبرى السياسية الاقتصادية والجيو-استراتيجية ولعلّ منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي من بين أهمّ هذه الساحات في الوضع الرّاهن لما لها من مقوّمات طبيعية (الثروات الطبيعية) وجغرافية (الموقع الجغرافي الاستراتيجي) تسمح للقوّة المُسيطرة عليها بفرض نفوذها أكثر على صيرورة العلاقات الدولية مصداقا لقول المُنظّر الأمريكي (ماكيندر) إن الدولة التي تسيطر على قلب الأرض وهي الحوض الغربي للمتوسّط والصحراء الإفريقية الكبرى ستكون لها الكلمة الفصل في السياسة الدولية. ففي 2011 صدر تقرير عن مصالح الاستعلامات العامّة الأمريكية (CIA) ينصّ بصريح العبارة على أن الصين التي تحقّق نسب نمو سنوية تفوق 08 بالمائة ستصبح بعد 10 سنوات القوّة الاقتصادية والتكنولوجية الأولى في العالم وفي آفاق 2030 ستصبح القوّة العسكرية الأولى وبالتالي ستزحزح الولايات المتّحدة من الريادة الدولية في هذه المجالات وعليه أخذت الولايات المتّحدة تتبنّى سياسة اقتصادية واستراتيجية هجومية ضد هذه القوى الدولية الجديدة (الصينروسيا...) المهدّدة لمكانتها. فبالإضافة إلى قيام الإدارات الأمريكية المختلفة بمحاولات حصار الصينوروسيا عسكريا (الدرع الصاروخية للنّاتو في أوروبا الشرقية القواعد العسكرية الأمريكية في كلّ من اليابان وكوريا الجنوبية...) أخذت أمريكا وأوروبا تتّجه الآن نحو منطقة شمال إفريقيا والساحل التي تنتمي إليها الجزائر لتواصل مسار السيطرة بل والهيمنة على مصادر الطاقة والتعدين وإخراج الصين من هذه المنطقة بأيّ ثمن حتى لو وصل الأمر إلى تشتيت دول شمال إفريقيا والساحل أو إغراقها في العنف وعدم الاستقرار. فرنسا تريد (معاقبة) الجزائر وبالتالي فمن يعتقد بأن الاهتمام الغربي (خاصّة الأمريكي) بمنطقة الساحل الإفريقية لا يتجاوز هدفه مكافحة الإرهاب فهو مخطئ فإذا كانت قضايا حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب وحدها محرّك هذه القوى الغربية فكيف نشرح إذن سكوتها عن قضية إبادة المسلمين (الروهينغا) في ميانمار وكذا سكوتهم بل ودعمهم للجماعات الإرهابية في كلّ من سوريا والعراق؟ وبالتالي نفهم هنا أن الحرب التي يشنّها الغرب حاليا في شمال مالي (جنوب غرب الجزائر) منذ 11 جانفي 2013 باسم محاربة الإرهاب لا تعدو أن تكون مطيّة (ALIBI) تتيح لهذه الدول القيام بعملية إعادة الانتشار العسكري الاقتصادي والسياسي في المنطقة من جهة لتأمين منابع الطاقة التي تتصارع عليها مع الصين خاصّة مع توجّه الغرب نحو التخلّي التدريجي عن الطاقة النّووية لما لها من مخاطر بعد حادثة (فوكوشيما) باليابان ومن جهة أخرى محاصرة الجزائر والضغط عليها من خلال إشعال أجواء الفوضى من حولها (من مالي وليبيا) للدفع بها نحو الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد من خلال مواجهة التبعات الأمنية المتأتّية من انعكاسات التدخّل العسكري الغربي في كلّ من ليبيا ومالي كالإرهاب المخدّرات تهريب السلاح وغير ذلك ممّا قد يدفها نحو إنفاق جميع مقدراتها المالية في المجال العسكري بالشكل الذي سيقود إلى انفجار أزمة اجتماعية تفكيكية وبالتالي تصدير ما يسمّى الربيع العربي نحو الجزائر ناهيك عن وجود رغبة غربية وفرنسية بالخصوص في معاقبة الجزائر المتمسّكة بسيادتها الوطنية عبر تصدير الإرهاب نحو الجزائر بعد طردهم من مالي وليبيا لضرب رموز سيادة الجزائر. ولعلّ اعتداءات (تيفنتورين) لشهر جانفي 2013 والتي نفّذتها جماعة إرهابية دخلت إلى الجزائر عبر مالي وليبيا خير دليل على ذلك. * مساهمة: سايل سعيد * باحث في قسم الدكتوراه كلّية العلوم السياسية جامعة الجزائر-3-