بقلم: سايل سعيد* لا بدّ من أنّ الجميع قد لاحظ أنّ العلاقات الدولية، أضحت منذ عام 2009، في صراع غير مسبوق بين القوى التقليدية (الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا، بريطانيا،...) والقوى الاقتصادية الصاعدة (الصين، روسيا، البرازيل وغيرها)، فالأزمة الاقتصادية العالمية، جعلت هذه الأخيرة والتي لم تتأثر بالأزمة بشكل بالغ تسعى لاستغلال هذا الوضع لاكتساح العلاقات الدولية عبر محاولة هدم النظام الدولي القائم وبناء نظام جديد تلعب فيه دورا سياسيا، اقتصاديا له القدرة على إضعاف القوى التقليدية وتحييد دورها، وهو الهدف الذي تفطّنت له هذه الأخيرة (الولاياتالمتحدة، فرنسا،...) وأخذت تسعى لإفشاله. وفي ظل احتدام هذا الصراع، تحوّلت الدول الصغرى لساحات معارك هذه القوى الكبرى السياسية، الاقتصادية والجيواستراتيجية، ولعل منطقة شمال أفريقيا والساحل الإفريقي من بين أهمّ هذه الساحات في الوضع الراهن وذلك لما لها من مقومات طبيعية (الثروات الطبيعية) وجغرافية (الموقع الجغرافي الاستراتيجي) تسمح للقوة المُسيطرة عليها بفرض نفوذها أكثر على صيرورة العلاقات الدولية مصداقا لقول المُنظّر الأمريكي (ماكيندر) بأنّ الدولة التي تُسيطر على قلب الأرض وهو الحوض الغربي للمتوسط والصحراء الأفريقية الكبرى ستكون لها الكلمة الفصل في السياسة الدولية. ففي 2011، صدر تقرير عن مصالح الاستعلامات العامة الأمريكية (CIA) ، ينص بصريح العبارة على أنّ الصين والتي تحقق نسب نمو سنوية تفوق 08% ستصبح بعد 10 سنوات القوة الاقتصادية والتكنولوجية الأولى في العالم، وفي آفاق 2030 ستصبح القوة العسكرية الأولى وبالتالي ستُزحزح الولاياتالمتحدة من الريادة الدولية في هذه المجالات، وعليه أخذت الولاياتالمتحدة تتبنى سياسة اقتصادية وإستراتيجية هجومية ضد هذه القوى الدولية الجديدة (الصين، روسيا،...) المهدّدة لمكانتها، فبالإضافة لقيام الإدارات الأمريكية المختلفة بمحاولات حصار الصينوروسيا عسكريا (الدرع الصاروخية للناتو في أوروبا الشرقية،القواعد العسكرية الأمريكية في كل من اليابان وكوريا الجنوبية،...)،أخذت أمريكا وأوروبا تتجه الآن نحو منطقة شمال إفريقيا والساحل التي تنتمي إليها الجزائر لتواصل مسار السيطرة بل والهيمنة على مصادر الطاقة والتعدين وإخراج الصين من هذه المنطقة بأي ثمن حتىّ لو وصل الأمر لتشتيت دول شمال إفريقيا والساحل أو إغراقها في العنف وعدم الاستقرار. وبالتالي، فمن يعتقد بأنّ الاهتمام الغربي (خاصة الأمريكي) بمنطقة الساحل الإفريقية لا يتجاوز هدفه مكافحة الإرهاب فهو مخطئ، فإذا كانت قضايا حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب وحدها محرّك هذه القوى الغربية،فكيف نشرح إذن سكوتها عن قضية إبادة المسلمين (الروهينغيا) في ميانمار وكذا سكوتهم بل ودعمهم للجماعات الإرهابية في كل من سوريا والعراق، وبالتالي فإنّنا نفهم هنا أنّ الحرب التي يشنها الغرب حاليا في شمال مالي (جنوب غرب الجزائر)، وذلك منذ 11 جانفي 2013، باسم محاربة الإرهاب لا تعدوا أن تكون مطيّة (ALIBI) تتيح لهذه الدول القيام بعملية إعادة الانتشار العسكري، الاقتصادي والسياسي في المنطقة وذلك من جهة لتأمين منابع الطاقة التي تتصارع عليها مع الصين، خاصة مع توجه الغرب نحو التخلي التدريجي عن الطاقة النووية لما لها من مخاطر بعد حادثة (فوكوشيما) باليابان، ومن جهة أخرى محاصرة الجزائر والضغط عليها وذلك من خلال إشعال أجواء الفوضى من حولها (من مالي، وليبيا)، وهذا للدفع بها نحو الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد من خلال مواجهة التبعات الأمنية المتأتية من انعكاسات التدخل العسكري الغربي في كل من ليبيا ومالي كالإرهاب، المخدرات، تهريب السلاح وغير ذلك، مما قد يدفعها نحو إنفاق جميع مقدراتها المالية في المجال العسكري بالشكل الذي سيقود لانفجار أزمة اجتماعية تفكيكية وبالتالي تصدير ما يسمى الربيع العربي نحو الجزائر، ناهيك عن وجود رغبة غربية وفرنسية بالخصوص في معاقبة الجزائر المتمسكة بسيادتها الوطنية وذلك عبر تصدير الإرهاب نحو الجزائر بعد طردهم من مالي وليبيا وذلك لضرب رموز سيادة الجزائر ولعل اعتداءات (تيجنتورين) لشهر جانفي 2013 والتي نفّذتها جماعة إرهابية دخلت للجزائر عبر مالي وليبيا خير دليل على ذلك. * باحث في قسم الدكتوراه.. كلية العلوم السياسية جامعة الجزائر-3-