تسيّب.. إهمال وتلاعب بصحّة المرضى لحظات فقط بعد مغادرة الوزير مصلحة الاستعجالات بمستشفى (مصطفى باشا) تراوغ وزير الصحّة مليكة حراث يواجه المرضى الوافدون على مصلحة الاستعجالات بمستشفى (مصطفى باشا) بالعاصمة معاناة كبيرة قبل حصولهم على حقّهم في العلاج إن تحصّلوا عليه طبعا بسبب المعاملة السيّئة للعاملين هناك والطاقم الطبّي الذي غالبا ما يتلاعب بصحّة المريض والحالات الحرجة. يسود التسيّب والإهمال مصلحة الاستعجالات بالمستشفى الجامعي (مصطفى باشا) حيث يواجه المرضى كلّ أنواع (الحفرة) إلى درجة الابتزاز حسب ما وقفت عليه (أخبار اليوم) وهذا بعد لحظات فقط من مغادرة وزير الصحّة المكان بعدما قام بزيارة مفاجئة يوم الأربعاء 29 جويلية الماضي حيث بدا الطاقم الطبّي وأعوان الأمن واقفون على قدم وساق في تأدية مهامهم وتوزيع الابتسامة للمرضى والمعاملة الطيّبة لتنقلب الأمور رأسا على عقب لحظات فقط بعد مغادرة الوزير وتعود ريمة إلى عادتها القديمة من معاملة فظّة وابتزازعلى حساب راحة وأعصاب المرضى وذويهم الذين كانوا في حالة تذمّر واستياء من هذا التصرّف الذي لا يليق بهذا القسم الذي يبقى الملجأ الوحيد للمريض لطلب التخفيف من آلامه بعد تعرّضه لحادث أو أزمة صحّية ما. ملامح الحسرة والاستياء كانت بادية على وجوه المرضى الذين وجدناهم هناك حيث انتقدوا أصحاب المآزر البيضاء الذين كانوا يطوفون برواق القسم ذهابا وإيّابا عملهم الوحيد هو تأدية الخدمات لمرضى معيّنين من أصدقاء أو أقارب أمّا باقي المرضى فكان أغلبهم يعودون أدراجهم حيث يتمّ طردهم بطريقة لبقة على سبيل المثال أنه لزام عليك أخذ موعد أو هذه الأشعّة غير موجودة . ومن أهمّ العيّنات التي شدّت انتباهنا وهي تصرخ بأعلى صوتها سيّدة مصابة بالكِلى تصارع الألم والوجع منحها طبيب جرّاح في المسالك البولية رسالة لإجراء أشعّة في ذات المصلحة لتصطدم برفض رئيس المصلحة الطلب بحجّة أن حالتها غير مستعجلة لإجراء (الأشعّة المطلوبة) فبدأت تصرخ وتردّد: (ما هي الحالة المستعجلة في نظركم بعد موت المريض؟ حتى تأتي لحظات الاحتضار تتدخّل مصالحكم؟). بالمقابل كان مرضى من نوع خاص يستقبلون بترحاب لإجراء الأشعّة والأدهى من ذلك أنه لا تبدو عليهم أيّ مظاهر المرض أو الوجع أو الأنين الذي كان يعانيه أغلب المرضى الذين كان بعضهم ملقى سواء على الكراسي أو ناقلة المريض. خرجت تلك السيّدة رفقة قريبتها وهي تتوجّع وتقول: (تقابلوننا بالرفض من أجل إجبارنا على الذهاب إلى العيادات الخاصّة) وخرجت تبكي وتردّد: (حسبي اللّه ونِعم الوكيل فيكم آباؤنا ضحّوا من أجل البلاد لتنعموا أنتم بخيراتها رفقة أقاربكم وأصدقائكم). وعلّق أحد المواطنين قائلا: (يحدث هذا في النّهار عليك أن تزور هذه المصلحة ليلا فإن أقسام الاستعجالات خلال هذه الفترة من تصاب بشلل كلّي لا نجد فيها لا أطبّاء ولا ممرّضين باستثناء المقيمين من الطلبة الأطبّاء المتربّصين الذين غالبا ما يتخوّفون من التكفّل بحالات يرونها حسّاسة لتقتصر مهمّتهم على ضمان الإسعافات الخفيفة والبسيطة كوضع الضمادات وغيرها). اقتربنا من أحد الشباب الذي كانت مظاهر النرفزة والقنوط ظاهرة على ملامحه كون أن شقيقته أصيبت بجلطة في القلب ومع تدهور حالتها الصحّية أجبر على جلبها إلى مصلحة الاستعجالات من أجل تزويدها بالإسعافات الضرورية إلاّ أنه بقي ينتظر لأكثر من ساعة بالرغم من حالتها السيّئة وما زاد من مأساوية الموقف هو مكوث الطواقم الطبّية في الغرفة دون أن يحرّكوا ساكنا حيث أكملوا دردشتهم من دون أيّ إزعاج ودون أدنى تمتّع بروح الإنسانية. كما أخبرنا الشابّ بأنه بعد أن طلب من إحدى الطبيبات التي كانت منهمكة في الحديث مع زميلاتها التقرّب من شقيقته من أجل فحصها ردّت عليه بفظاظة: (لا تريني عملي) كما طلبت من أعوان الأمن إخراجه من قاعة العلاج لكن الشابّ أكمل ترصّده لها من النافذة وحسب ما أعلمنا به أنها لم تتقرّب من شقيقته إلاّ بعد إنهاء محادثتها وبعد أن رأى تدهور الحالة الصحّية لشقيقته أراد معاودة الدخول من أجل إسعافها والوقوف بجانبها إلاّ أنه منع منعا شديدا. وأضاف الشابّ أن أغلب القائمين على تلك المصلحة لا يتمتّعون بروح المسؤولية ولا بذرة إنسانية بدليل عدم مراعاتهم لحالة المريض والحالة النّفسية لأهله فبدل مواساتهم وطمأنتهم يعملون على الزيادة في معاناتهم بنهرهم والصراخ في وجوههم لا لشيء سوى لأنهم طالبوا الاعتناء بمريضهم وعدم إهانته وإهماله. من جهة أخرى أكّد لنا أحد الموظّفين في قسم الاستقبال بذات المصلحة أن السبب الرئيسي هو التوافد الكبير للمرضى الذين تستقبلهم هذه الأخيرة حيث يفوق عدد الحالات يوميا ما بين 150 إلى 200 حالة بعد تلقّيها الإسعافات الضرورية يتمّ توزيعها على بقّية المصالح الأخرى. وتضمّ هذه المصلحة أربعة أقسام تتعلّق بالإنعاش الجراحة الفحص الطبّي والإسعافات الأوّلية. وقد أكّد محدّثنا أن المصلحة تعجز عن التكفّل بهذا العدد الهائل في ظلّ انعدام التجهيزات وخروج أغلبية الممرّضين والأطبّاء في عطلة. وحسب نفس المصدر فإن الأطبّاء القلائل الذين يضمنون الخدمة خلال العطلة يعتمدون بصفة مفرطة على المقيمين من الطلبة والأطبّاء المتربّصين في التكفّل بالحالات التي تصل إلى المستشفى على أن يقتصر تدخّلهم على الحالات التي يعتبرها خطيرة جدّا. والغريب في الأمر أنه في اليوم الذي تفقّد فيه وزير الصحّة مصلحة الاستعجالات يوم الأربعاء حدثت عدّة سلوكات سلبية ضد المرضى لحظات فقط بعد مغادرته فكيف لملائكة رحمة يتفنّنون في تمثيل أدوار الإنسانية والاهتمام بالمريض أمام إنسان ولا يراعون أو يخشون عقاب اللّه يوم القيامة؟ ونحن بدورنا نقول لوزارة الصحّة إن المريض في بلادنا يعاني في صمت أمام تعسّف هؤلاء الذين لا ضمير ولا حسّ مهني لهم.