عن (المظلومة التربوية) نتحدّث.. أنقذوا آخر القلاع قبل أن تسقط على رؤوس أبنائنا! مساهمة: الأستاذة فاطمة الزهراء بولعراس نعم.. قبل سنة أو سنتين كتبت مقالا عن (المظلومة التربوية) تحت هذا العنوان أحذّر فيه من سقوط آخر القلاع وهي المدرسة أو التعليم بسبب الإضرابات المتكرّرة من طرف المعلّمين والأساتذة وبسبب التعنّت والتعجرف من الوزارة الوصية وما خرجتْ به آنذاك من التصنيفات المغرضة لرجال التعليم ونسائه خاصّة عندما نعلم (كما الوزارة تعلم) أن عمّال التعليم أغلبهم إن لم أقل كلّهم من عامّة الشعب (الفقير الضعيف) الذي لا حول له ولا قوّة. لنبدأ من البداية عندما احتاجت وزارتنا الموقرة إلى المعلّمين فسحت المجال لكلّ من هبّ ودبّ ولم تعمل على تكوينهم (بجدّية) حتى إذا توفّر لديها الكثير من خرّيجي الجامعات استفاقت لتعلن تصنيفها المقيت ولتكافئ أولئك الذين أفنوا أعمارهم في تدريس الأجيال ولست أدري ماذا كسبت الوزارة من التشهير بهم وجرجرتهم إلى (التكوين) وهم على أبواب التقاعد. لكن كلّ هذا يجوز خاصّة عندما يكون الهدف نبيلا (وهذا ما تدّعيه الوزارة طبعا) وهو خدمة التلميذ لكن ما توصّلت إليه عبقرية القائمين على (تربيتنا) فاق كلّ تقدير ويبدو أن هذه العبقرية وسوست لهم بأن اللّغة العربية ومعها المعرّبين (مرّة أخرى) هي سبب كلّ البلاء بما فيها زلازل اليابان متناسية أن الذي يحدث الزلزال حقّا هو الظلم و(الحفرة) والتصنيف المقيت. هكذا أرادوا مزاحمة العربية بضرائر أخرى وكانوا قبل ذلك زاحموها بالضرّة أو (المحظية) الفرنسية هذه المحظية التي هدهدوها في الابتدائي وناصفوها في المتوسّط والثانوي وألبسوها التاج في الجامعة فإذا بأبناء (شعيب الخديم) يجدون أنفسهم بُكما صُمّا عُميا يتهجّون دروسهم بعد أن نُصب لهم الطعم في الأطوار الأخرى. أمّا بعد البكالوريا وعندما يريدون الاستواء على أقدام العلم فإن ظهورهم تقصم بفرنسة أهمّ الفروع الجامعية كي يظلّ أبناء الشعب المهضوم الحقوق مجبرين على الالتحاق بالكلّيات النظرية وهي طريقة فذّة في التعليم أو بالأحرى في التقسيم تقسيم أبناء الشعب الواحد إلى أحرار وعبيد وأعتقد أنها طريقة لا توجد إلاّ في جزائر المعجزات. أمّا آخر معجزة ظهرت بها وزارة التربية وربما (وزيرة التربية) وكنتُ معجبة بشخصيتها وتكوينها حتى لو كان بلغة (فافا) فلستُ ممّن يصنّف النّاس بألوانهم وألسنتهم خاصّة وأن هذا التصنيف هو سبب البلاء في بلدي. أجل فرحتُ كثيرا عندما نُصّبت بن غبريط على رأس هذه الوزارة (الحسّاسة) التي لا يحسّ بها أحد لأنني أومن بأن المرأة هي المربّية الأولى وهي الأقدر والأعرف بطرق ووسائل التربية الأنجع خاصّة عندما تكون ذات كفاءة. لكن الوزارة فاجأتنا بآخر وربما أوّل الأفكار الجهنّمية وهو استعمال اللّهجات أو الدارجة في التعليم أيّ هراء هذا الذي تريد الوزارة أن تفعله؟ ولو كانت الوزارة تعي ما تفعل وما تقول فهل الوزارة متأكّدة من أن التعليم كان يجري بالفصحى حتى تزيد الطّين بلّة؟ أبدا ففيما عدا اللّغة العربية لغة التعليم كانت أخلاطا من لهجات شتى وذلك لضعف التكوين وأسباب أخرى تعرفها الوزارة جيّدا ومن أراد أن يتأكّد فليعد إلى الأخطاء الكثيرة الموجودة في الامتحانات الفصلية وخاصّة في طريقة أسئلة المواد العلمية (مثلا). هل تعرف الوزارة مثلا أن الإنجليزية تدرّس بالفرنسية؟ إن اللّغة العربية المستعملة في التعليم لغة بسيطة وهي أبدا ليست لغة البيان والأدب فلا أدري لِمَ اعتقد (الخبراء) عندنا أنها تسبّب مشكلة عند التلاميذ. وحتى كتب اللّغة العربية كتب بسيطة واستُقيت نصوصها من مصادر بعيدة عن الأدب العربي (الكلاسيكي) إن صحّ هذا التعبير. ففي قواعد النّحو والصرف التي كانت تدرّس اعتمادا على أمثلة من القرآن باعتباره كنز اللّغة وعلى الشعر باعتباره لسان العرب أصبحت تدرّس بأمثلة غاية في البساطة وربما كان هذا النزول مقصودا للوصول إلى منحدر الدارجة. وإنّي أسأل من اتّخذا هذا القرار الخطير دون اللّجوء إلى أيّ جهة استشارية لا شعبية ولا رسمية وكأن تلاميذنا قطيع أغنام يساقون بأيّ كان معه عصا؟ وكأن جامعاتنا لم تخرج تربويين ومختصّين يستشارون في هذا الموضوع وكأن معلّمينا وأساتذتنا لا يفقهون شيئا كي لا تستشيرهم الوزارة؟ ثمّ بأيّ دارجة سيقرأ أبناؤنا؟ بالأمازيغية؟ بالجيجلية؟ بالشاوية؟ أم بالتارقية؟ ألم يقرأ هؤلاء الذين (ليسوا منّا) صيحة أحد حكماء فرنسا (الذين هم منها) عندما صرخ: اقضوا على اللّهجات بل أباح استعمال كافّة الطرق في ذلك بما في ذلك التجسّس والوشاية. منذ الاستقلال واللّغة العربية (محفورة) في بلدي رغم محاولات جادّة من أشخاص وهيئات لم تصمد أمام اللوبي الفرنكفوني وأهدافه الخبيثة وكان أهلها متّهمين بالتخلّف وبأنهم (معقّدون) أمّا بعد هذه (الخرجة) فستصبح العربية تائهة لا تدري إلى أيّ دارجة تنتمي وبذلك يفسح المجال للغة (فافا) لتظلّ وحدها المتربّعة على مدارسنا بعد أن تسلّطت على إعلامنا وإدارتنا ويتباهى مسؤولونا باستعمالها كنوع من التحضّر والرفعة والتسامي و(يتفاهمون) (من التظاهر بالفهامة) بها على شعوبهم. إن كان ما تنويه الوزارة سيطبّق حقّا في مدارسنا فعلى الأمّة السلام لأنه سعي إلى التشتّت والفرقة ستجني ثماره خصاما وحرقة. يا لغة القرآن لك اللّه في قوم هم منّا ولكنهم لازالوا يصدّقون أن الشمس تشرق من (الغرب).