تقول سامية، تلميذة في المتوسط بالوادي، إن أستاذة اللغة العربية تدرسهم باللهجة الدارجة، ''مثلا تقول: الفعل الماضي هو اللي فات ويجي من قبل، بصح المضارع يأتي ذرك، والمستقبل بعديكا وإلاّ غدوا''• وتضيف سامية أن التلاميذ الذين هم من مناطق مختلفة من الوطن لا يفهمون لهجتها المحلية، إلا بالاستفسار عن معانيها من بعضهم البعض• أما سعيدة، تدرس في المرحلة الثانوية، فتقول إن أساتذة المواد العلمية لا يتكلمون أصلا باللغة العربية، وإنما كل واحد ولهجته الدارجة التابعة لمسقط رأسه، فالشاوي يدرس باللكنة الشاوية والسوفي باللهجة السوفية إلى غير ذلك، ''وما علينا إلا التكيف مع الجميع وبذل جهد كبير لفهم ما يريدون توصيله من معلومات في الدرس''• وينطبق مشكل التدريس باللهجات الدارجة إلى اللغات الأجنبية أيضا، مثل الفرنسية والإنجليزية• ويؤكد التلميذ صابر الذي يدرس بإحدى المتوسطات ''أعرف أستاذين للفرنسية، منهما أستاذنا، يدرسنا بالدارجة، ولا يذكر الكلمات الفرنسية إلا تلك التي يثبتها بالطبشور على السبورة وهي قليلة جدا في حصته''• ويردف:''في إحدى المرات دخل علينا مفتش جديد للفرنسية وقد تصادف يومها مع غياب الأستاذ لسبب قاهر، فراح المفتش يكلمنا بالفرنسية ونحن مستغربون ونضحك، فقال لنا ما بكم تضحكون فأجبناه إننا لم نفهم شيئا مما كان يقول، وقلنا له هذه فرنسية نسمع بها في الأفلام فقط لأن أستاذنا يلقننا دروس الفرنسية بالعامية الجزائرية''• معلمون وأساتذة يعترفون وآخرون يتبرؤون ولا يتوقف أمر تكسير اللغة العربية الفصحى كلغة تواصل عن المعلمين والتلاميذ فيما بينهم، بل يتعداه إلى التدريس بغير اللهجة العربية الدارجة، حيث يدرس العديد من المعلمين والأساتذة المواد التعليمية بلهجات غير عربية، كما هو الحال في بعض مناطق ورفلة وغرداية والنمامشة والقبائل والصحراء والغرب الجزائري، وغيرها من المناطق التي تعتمد على لهجاتها المحلية في التخاطب• ومن جهتهم، تبرأ العديد من أساتذة اللغة العربية واللغات الحية في ولاية الوادي ممن تحدثت ''الفجر'' اليهم من تهمة التدريس باللهجة الدارجة عكس ما يقوله عنهم التلاميذ والأولياء، الذين يتحدثون في أكثر من مناسبة عن انخفاض مستوى التعليم بسبب الزج فيه بمعلمين وأساتذة غير مؤهلين للتعليم• كما اعترف البعض الآخر من الأساتذة باعتمادهم العامية في التخاطب مع التلاميذ، ويذكر في هذا الصدد أحد أساتذة التربية الموسيقية، في إحدى إكماليات الوادي، أنه درس منذ سنوات قليلة في إحدى مناطق شمال البلاد، وكان الوحيد في المدرسة من يدرس بالعربية، فيما كان جميع المعلمين يدرسون كل المواد التعليمية باللهجة المحلية التي ينتمون إليها والتي لا أفقه منها ولو كلمة واحدة• والأدهى والأمر يحدث حتى في الدورات التكوينية، حيث يتعامل الجميع بالعامية بعيدا كل البعد عن الفصحى مطلقا، ويقول (سعيد•ح) وهو مدرس متقاعد وشاعر: ''أتعرض للسخرية من قبل زملائي عندما أتكلم العربية الفصحى في الدورات التكوينية''، معترفا أن انتشار التدريس بالعامية في الوسط المدرسي شوه المنظومة التربوية ودمر اللغة العربية الفصحى التي تفتقدها مؤسساتنا التربوية• أما السيد علي، أستاذ لغة فرنسية في الطور المتوسط، قال إن الظروف داخل القاعة تضطره أحيانا كثيرة إلى استعمال الدارجة والعامية لإيصال الرسالة الصحيحة إلى التلاميذ• وأعاب كثيرا هذه الظاهرة التي انتشرت مثل الداء في المدارس، ويضيف أن نقص التكوين من قبل الأساتذة وعدم تقبل التلاميذ للغة الفرنسية عموما تجعله يخاطبهم بالدارجة ''ومن المفروض عدم وجود مثل هذه الأشياء التي نتجت عن غياب سياسة تربوية حكيمة ينتهجها المدرسون''• ومن جهتها قالت السيدة سعادة، مدرسة لغة إنجليزية في التعليم الثانوي، إنها غير ملزمة بالنطق واستعمال الدارجة العامية في التدريس، حيث تضطر للاستعانة بالصور وتحاول تبسيط الدروس إلى أبعد الحدود، مشيرة إلى أن إبلاغ الرسالة الصحيحة باللغة الإنجليزية هو أكثر ما يهمها• وتؤكد المتحدثة أنها لا تستعين بالعامية في طريقة تعليمها لأنها تشوه المنظومة التربوية، وينتج عنها نقص تكوين التلاميذ، كما ترجع بالسلب على الأساتذة لكونها تفقدهم القدرة على التحكم والسيطرة على اللغة التي يدرسون بها• أساتذة وشعراء يشخصون الظاهرة اعتبر الدكتور أحمد زغب، أستاذ مادة الأدب العربي بالمركز الجامعي بالوادي، ظاهرة التدريس بالعامية بالكارثة الحقيقية التي تعصف باللغة العربية، وقال إن اللهجة العامية غزت المؤسسات التربوية وتحولت إلى لغة الاتصال الوحيدة بين المدرس والتلميذ، وبدأت تنخر المنظومة التربوية منذ السنوات الأخيرة، ويرجعها الدكتور بالدرجة الأولى لأساتذة المواد العلمية على غرار الرياضيات والفيزياء وغيرها• وحسب المتحدث فإن هؤلاء يؤكدون من خلال تصريحاتهم بأنهم غير مجبرين على التدريس باللغة العربية الفصحى، نظرا لطبيعة الدروس التي يلقونها التي لا تتطلب الفصحى المطلقة أبدا• ويضيف أن نقص التكوين والتأطير يدفع مدرسي اللغتين الحيتين الفرنسية والإنجليزية إلى الاستنجاد بالعامية، إضافة إلى عدم المطالعة لأنها تساعد المعلمين والطلبة الجامعيين، وحتى تلاميذ المدارس، على تكوين أنفسهم• ويؤكد الدكتور أنه من العوامل الأساسية الأخرى التي ساهمت في انتشار هذه الظاهرة أكثر كان الأساتذة المصريون الذين درسوا في الجزائر منذ نهاية السبعينيات ''وكانوا يستعملون وقتها الدارجة كثيرا حتى أصبحنا في وقت ما ''نسألهم مثلا ما معنى كلمة ''كويس''• وحمّل الأستاذ زغب المسؤولية الكبرى في تفشي هذه الظاهرة للمفتشين التربويين، بصفتهم المخولين قانونيا بمراقبة الأساتذة والمعلمين، خاصة في أوقات الترسيم، مضيفا أن التحكم في اللغة من المفروض أن يكون شرطا في قبول تنصيب أي أستاذ• وأكد المتحدث أن هذه الظاهرة ترجع بالسلب على التلاميذ في المستقبل بما فيه الدراسة بالجامعة، مشيرا إلى أنه درّس طلبة جامعيين في السنة الرابعة آداب على وشك نيل شهادة الليسانس لا يستطيعون صياغة أو تركيب جمل بالعربية الفصحى• وإذا كان المعلم المتقاعد والشاعر (سعيد•ح) يرجع الظاهرة إلى النقص الفادح في التكوين باللغة العربية، وإلى انعدام ضوابط والتزامات تضبط المدرسين وتجبرهم بعدم تخطيها وترك المجال لانتشار اللهجة العامية وضعف المدرسين الذين يتحاشون العربية الفصحى لعدم الوقوع في الأخطاء، فإن السيد (بشير• ب) وهو مدير ابتدائية يرجع أسبابها إلى الإجراءات التنظيمية والإصلاحات التربوية التي أدخلتها الدولة خاصة عندما تم تنصيب التعليم الأساسي سنة 1980 • ويقول إنه منذ هذا التاريخ تم الاستغناء عن تدريس اللغة الفرنسية في السنة الثالثة ابتدائي، ومنها تقليص الحجم الساعي، إضافة إلى غلق المعاهد التكنولوجية التي كان لها فضل كبير في تكوين الأساتذة والمعلمين• ويضيف أن ما زاد الطين النقص الفادح في الأساتذة، ''حتى تم اللجوء إلى توظيف ذوي المستوى النهائي فقط للقيام بمهمة التدريس ''، مشيرا إلى أن ممارسة المطالعة في الوقت الحالي منعدمة تماما في ظل نقص مفتشي اللغة الفرنسية•