بقلم: تيسير التميمي* أيام قليلة تفصلنا عن ذكرى جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك فبتاريخ 21/8/1969م ارتكب السائح اليهودي الأسترالي مايكل روهان فعلته الشنيعة التي ترجمت مشاعر الحقد والكراهية في القلوب السوداء إلى ألسنة لهب ونيران أضرمتها الأيادي الملطخة بالدماء في جنبات هذا المسجد الإسلامي فالنيران التي اشتعلت فيه ما زالت تشتعل وتشتعل من يومها حتى الآن ولم تنطفئ فطالت كل ما هو فلسطيني وشملت الشجر والحجر والمقدسات وتطورت هذه المشاعر السلبية والجرائم الخبيثة حتى شملت البشر أيضاً فقد التهمت النيران أجساد المدنيين العزل من أبناء الشعب الفلسطيني ليس فقط في الهجمات العسكرية التي يشنها جيش الاحتلال الغاشم في حروبه الظالمة على مدننا وقرانا بل تجاوزت ذلك بالجرائم الهمجية التي يرتكبها المستوطنون المغتصبون صباح مساء ضد الفلسطينيين بحماية كاملة من جيشهم نازية جديدة غير مسبوقة ترتكب بدم بارد لم تنجُ منها الطفولة البريئة. جرائم حرب ضد الإنسانية تستوجب الملاحقة في محكمة الجنايات الدولية جرائم يواجهها المجتمع الدولي بمنظماته ومؤسساته وأجهزته بصمت مطبق وتجاهل مريب هذا المجتمع الذي ينادي بحقوق الإنسان ويرفع شعارات مكافحة التمييز العنصري هذا المجتمع الذي يسعى إلى محاربة العنف والإرهاب وإلى ترسيخ قيم السلام والعدالة والحرية هذا المجتمع الذي لا تغفل عيناه عن كثير من الدول يراقب التزامها بمواثيقه وتشريعاته ويشرف على تمتع مواطنيها بحقوقهم المشروعة لكنه مجتمع أبكم لا يتكلم إذا كان المساس بتلك المسميات ضد الفلسطينيين وأنَّى له أن يتكلم وهو لا يسمع ولا يرى ! وكأن فلسطينالمحتلة خارج التغطية! فالمستوطنون وجنود الاحتلال أثناء ممارستهم شتى ألوان الجرائم والانتهاكات يتخفون بقُبَّعَة سحرية تحجبهم عن أعين المراقبين! هذه جرائم الجبناء وجرائم الإحراق التي ارتكبتها المستوطنون الجبناء ويرتكبونها يومياً بوصفهم أدوات الاحتلال ضد الفلسطينيين شاملة كما ذكرتُ لكثير من المكونات الفلسطينية: فإحراق المقدسات من مساجد وكنائس يتكرر ولا يكاد يتوقف فمنذ ارتكاب جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك ومرورها هكذا من غير حساب أو عقاب تجرأ المستوطنون وسلطات الاحتلال على استهداف كامل الهوية الإسلامية لفلسطين فتتكرر سياسة الاقتحامات اليومية لساحات المسجد الأقصى المبارك ومحاولة تنفيذ مخطط تقسيمه مكانياً وزمانياً والحفريات المستمرة تحت أساساته وفتح شبكة أنفاق أسفل منه تهدد بنيانه مما أدى إلى انهيارات وتصدعات في ساحاته وأسواره وأكثر من هذا فحرق المساجد جزء من مشاهد التطهير العرقي التي تجاوزت كل الحدود وهواية مفضلة وممنهجة للمستوطنين في ظل غياب أي رادع لهم فجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تنتشر قواته بكثافة في كل مكان من أرضنا لو كان جاداً في منعهم لاعتقل الجناة وقدمهم إلى المحاكمة فهذه العصابات ترتكب ما ترتكب بحماية كاملة من جنوده. أما من حيث الشكل فمعظم عمليات حرق المساجد تتم غالباً بأسلوب واحد حيث يستغلون ساعات ما قبل الفجر أي قبل وصول المصلين لتنفيذ جريمتهم وهو القاسم المشترك الذي تتشابه فيه عمليات الحرق لمعظم المساجد والتي غالباً يصاحبها حرق المصاحف الشريفة وكتابة الشعارات الفاشية العنصرية على جدران المساجد وغيرها قبل أن يلوذوا بالفرار إن حرق المساجد وارتكاب المجازر فيها كمجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل جرائم حرب لا يقوم بها جيش الاحتلال وحده بل تعدته إلى المستوطنين الذين يتمعون بحاضنة اجتماعية قوية فمرتكبوها ليسوا مجرد أشخاص إرهابيين منبوذين في مجتمعهم بدليل السفاح الإرهابي باروخ جولدشتاين الذي ارتكب هذه المجزرة وقُتِلَ فيها دفن في مستوطنة كريات أربع فصار قديساً وبطلاً قومياً في نظر الصهاينة وأصبح قبره مزاراً مقدساً لهم. وليس غريباً على هذه العصابات المسلحة حرق المساجد والكنائس وانتهاك الحرمات والمقدسات كيف وقد نكلوا بأنبياء الله قتلاً وحرقاً ! فهذا ديدنهم عبر تاريخهم الحافل بالجرائم قال تعالى في تطاولهم حتى على مقدساتهم {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا * وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا * فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْم إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} النساء 153-157. لعنة الحرق لم يكتفِ المستوطنون العتاة المعربدون بمصادرة سلطات الاحتلال الإسرائيلية أراضي الفلسطينيين وإقامة المستوطنات عليها في القدس وضواحيها وما حولها وإسكان الحاخامات والمستوطنين فيها ولم يكتفوا بما تقوم به من منع المزارعين الوصول إلى أراضيهم فلجأوا إلى جريمة أخرى بإحراق حقولهم الزراعية وأشجارها ومزروعاتها وأكثر ما يستهدفون أشجار الزيتون هذه الأشجار الثابتة أصولها والتي تتحداهم بالصمود والبقاء فينفجر غيظهم بتحريقها وتدميرها هي حرب هوية إذن وحرب اقتصادية أيضاً فكثيراً ما لاحقوا قاطفي الزيتون واستولوا على كامل منتوجهم وسرقوه من أصحابه جهاراً نهاراً وليست الأشجار المثمرة الأخرى ببعيدة عن الاستهداف فهم يتبعون سياسة الأرض المحروقة للقضاء على الثروة الزراعية والطبيعة الخضراء في فلسطين وغالباً ما ينفذون ذلك بسكب مادتيْ الكاز والبنزين في الحقول وعلى الأشجار لضمان امتداد الحريق إلى أوسع مساحة ممكنة وكثيراً ما يستغلون موسم نضج الثمار التي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لمعظم المزارعين الفلسطينيين. ولكن هذا الشعب الفلسطيني الصابر الصامد ثابت في أرضه المعطاءة وسيدافع عن ترابها وسيظل يقاوم ويبني ويحمي وجوده وهويته وسيزرع أرضه من جديد وسيملؤها خضرة وحياة لأبنائه من بعده. لم يتوقف الحقد الآثم عند هذا الحد بل تطور إلى حد إحراق المدنيين العزل لإرهابهم وتخويفهم وجبرهم على مغادرة أراضيهم فقد طالت هذه النيران الحاقدة العام الماضي الطفل الشهيد محمد أبو خضير أثناء خروجه إلى صلاة الفجر في مدينة القدس فسكب المستوطنون الحاقدون مادة البنزين في جوفه وأحرقوه حياً في جريمة ضد الإنسانية اهتز لها كل صاحب ضمير حي في العالم فهل عوقب هؤلاء القتلة النازيون؟ هل قدموا إلى المحاكمة؟ وقبل أيام امتدت نيران الحقد الاستيطاني الاستئصالي إلى بيت آل الدوابشة في قرية دوما فأضرمت فيه النيران بمن فيه من السكان فأتت على المنزل وأهله ومحتوياته فاستشهد الطفل الرضيع علي في جريمة حرب منافية لكل القيم الإنسانية والأخلاقية والقانونية والدينية جريمة لم يتحرك لها قلب أيّ من المحتلين أما بياناتهم بشجب الحادث وإدانته فلا جدوى منها مع استمرار الاحتلال في حماية القتلة بدليل ما حصل أمس من اعتقال عدد من حارس الأقصى والمصلين لقيامهم بمنع مستوطن حاول رفع العلم الإسرائيلي على سطح الصخرة داخل السجد الأقصى المبارك. لقد اقتدت هذه القلوب الحاقدة والفائضة بالكراهية بالنمرود الذي حاول القضاء على سيدنا إبراهيم عليه السلام بالحرق قال تعالى {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} الأنبياء 68-70 إن هذه النيران ستبقى مشتعلة طالما بقي الاحتلال جاثماً على أرضنا فهو مصدر الإرهاب والعنصرية والقتل والتدمير في العالم والسبيل الوحيد للقضاء عليه هو إنهاء الاحتلال لأرضنا. فالمطلوب تحقيق الوحدة الوطنية والتصدي للعدوان الغاشم ووقف التنسيق الأمني بكل صوره مع الاحتلال وإجماع القوى الفلسطينية على برنامج وطني يقوم على إنهاء الاحتلال وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني الذي ضحى بالنخبة الطليعية من أبنائه شهداء وأسرى وجرحى في سبيل بلوغها فهذا الشعب المقدام الذي ستكون فيه الطائفة المنصورة التي بشرنا بها رسولنا صلى الله عليه وسلم والذي أكرمه الله بأن يكون رأس الحربة في الدفاع عن فلسطين ومقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك لا يمكن أن يقف متفرجاً على النيران حتى تأتي على آماله وأطفاله ومقدراته ومقدساته.