دعا الدكتور أحمد فؤاد باشا أستاذ الفيزياء وعضو لجنة العلوم والحضارة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إلى إنشاء اتحاد لإعادة إحياء التراث الإسلامي وحماية المخطوطات العلمية. واقترح أن يكون ذلك في إطار مشروع عربي إسلامي تتضافر كل الجهود لإتمامه، ليكون سندا ومعينا في حركة النهضة المنشودة. جاء هذا في محاضرة ألقاها خلال مؤتمر »الإسهامات الحضارية للمسلمين في مجال الطب« بالعاصمة القطرية الدوحة، والذي ينظمه »مركز إسهامات المسلمين في الحضارة« على مدار يومين في إطار احتفاليته بالانضمام لكلية الدراسات الإسلامية عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، واحتفائه بإصدار ترجمة كتاب »مفتاح الطب ومنهاج الطلاب« لابن هندو - وهو من أعلام الطب عند المسلمين - إلى اللغة الإنجليزية. تعديل المناهج وتحدّث د. أحمد فؤاد باشا في محاضرته عن أهمية إحياء التراث، مشيرا إلى أن عدة دول أوروبية اتحدت لإحياء تراث علمائهم، مثل غاليليو ونيوتن وغيرهم، لأنهم حريصون على أن يكون التراث حيا فيهم، لأن له دورا كبيرا في حياتهم. ودعا في هذا الصدد إلى إنشاء اتحاد عربي إسلامي لحماية المخطوطات العلمية في العالم العربي والإسلامي. وانتقد د. باشا المنظومة التعليمية في العالم العربي، ولا سيما المناهج الدراسية، داعيا إلى تضمين هذه المناهج بمعلومات لتعريف الطلاب بالعلماء العرب والمسلمين وإسهاماتهم في الحضارة. وقال: »المفروض أن نطلع على هذه الوثائق التراثية والتاريخية ونُدخلها في مقررات أبنائنا. هذه المقررات التي تعيش في أغلبها على النظريات الوافدة من هناك، وتترجم ترجمة حرفية ويحفظها الطلاب كما هي، دون أن يشار إلى دور أسلافهم في هذا المجال. وتابع: »في المقابل، المعلم الإنجليزي يدرِّس للطالب عن داروين ونيوتن، حينها يشعر الطالب أنه قادر على إكمال المسيرة والإبداع، بينما طلابنا عندما يسمعون هذه الأسماء في مناهجهم ولا يسمعون أسماء علماء من أبناء جلدتهم، سيعتقدون أن العلم صناعة غربية، فالبعد التربوي في هذا الشأن مهم جدا«. وشدد د. باشا على أن تراثنا به كل أسس النهضة، ولكنه يجب إعادة إحيائه في إطار مشروع عربي إسلامي، تتضافر كل الجهود لإتمامه، ليكون سندا ومعينا في حركة النهضة المنشودة، منتقدا تهميش قضية التراث في العالم العربي. إسهامات علماء المسلمين وتعرّض د. باشا في محاضرته لإسهامات علماء المسلمين في الحضارة الإنسانية، وبشهادة الغرب، مشيرا إلى مقال لريتشارد بور في إطار مسابقة أجرتها »نيويورك تايمز« مؤخرا عن أفضل فكرة في العالم خلال الألف عام الماضية، بيّن فيها أن أحسن فكرة تعود للعالم العربي حسن بن الهيثم مؤسس المنهج التجريبي، لأن هذا المنهج كان الأساس الذي بنى عليه كل من جاء بعده من علماء العرب والغرب. إلا أن د. أحمد فؤاد باشا اعتبر تلك نصف الحقيقة، وأن النصف الآخر هو أن هذا المنهج الذي نسبه للحسن بن الهيثم فقط هو لكل علماء الحضارة الإسلامية، وهو في أصله وجوهره ومضمونه منهج إسلامي مستمد من تعاليم الإسلام الحنيف في القرآن والسنة، وطُبق قبل ذلك في الفقه عبر القياس. وبيّن أن هذا المنهج وضعه ابن الهيثم في مجال البصريات، في حين وضعه البيروني في مجال الجغرافيا وأيضا فارس هذه الندوة ابن هندو، كان في قلب المنهج التجريبي، ولكنه أضاف منهجا آخر، هو المنهج التعليمي. وأشار إلى أن ابن الهيثم ألّف كتاب »المناظر«، ويدرَّس الآن باسم علم البصريات، ويدخل في كثير من العلوم، ويدرَّس في عدد من المدارس والكليات. نوبل لابن الهيثم وبيّن أن ابن الهيثم سبق عصره بوضع نظرية الإبصار، كما كان صاحب فكرة الكاميرا، وسماها البيت المظلم. وقال مداعباً: »لو لم تكن فكرة كاميرا التي قال بها ابن الهيثم ما حصل أحمد زويل على كاميرا الفمتوثانية، رغم أن الفاصل بينهم ألف سنة بدأه ابن الهيثم وتوَّجه زويل، ولو كان ابن الهيثم حيا لقاسم زويل جائزة نوبل، ولكن من الجيد أن نربط بين عالمين مسلمين بينهم ألف سنة في مسار بحثي واحد«. ورأى د. باشا أن سر تأخر المسلمين انفصالهم عن الثوابت السابقة التي وضعها علماؤنا. وشدد على أننا »بحاجة ماسة إلى صياغة إدراكنا للعالم، والصياغة الفكرية. والمرجعية يجب تأخذ في الاعتبار مقوماتنا الأساسية، العقيدة واللغة العربية، والرصيد الحضاري«، منتقدا في الوقت ذاته ما تتعرض له اللغة العربية من عمليات غزو وقهر من أبنائها والمحسوبين عليها، مشيرا إلى أن اللغة مرتبطة بصياغة الفكر الجديد. مهمة جديدة بدوره، تحدّث د. حاتم القرنشاوي عميد كلية الدراسات الإسلامية أن هذا المؤتمر يأتي في إطار الاحتفال بانضمام »مركز إسهامات المسلمين في الحضارة« للانضمام لكلية الدراسات الإسلامية. وأشار إلى أن الكلية شكلت هدفها على أن تكون منبراً يعكس للعالم طبيعة الإسلام الذي أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين. طبيعة الإسلام الذي كرم الإنسان من حيث هو الإنسان، ومن هنا كان انطلاق المسلمين نحو كل عمل يخدم الإنسان ككل؛ إيمانا بأن كل ما يخدم الإنسان هو في سبيل الله، وأن العمل الصالح بنتائجه. وتابع: »ومن هناك كانت حضارة المسلمين وما قدموه للعالم في الطب والفيزياء والرياضيات والعمارة والعلوم الطبيعية، فضلا عما يسبقه ويصاحبه من دراسات إسلامية مختلفة، تشكل للمسلم محورا أساسيا في حياته«. وبيّن أننا لا نتحدث عن ماض ولكن ما نحاول أن نقوله اليوم، أن هذه الحضارة مستمرة، وأنها مازالت قادرة على العطاء والتجدد، لأن الإسلام وحضارته باقيان إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فالإسلام باق كدين وكحضارة ومفهوم. وأشار د. القرنشاوي إلى أننا عندما نطلع ويطلع آخرون من غير المسلمين على كتاب ابن هندو (أبو الفرج علي بن الحسين بن هندو القمي) وغيره من إصدارات المركز، سيذهلون كيف وصل هؤلاء الأفذاذ لما وصلوا إليه! وقال د. القرنشاوي: »الرسالة التي نقدمها ليست دعوة للانكفاء على التراث بل دعوة إحياء التراث بما نشحذ به هممنا، لنعود مرة أخرى قادة للحضارة والعلم، مساهمين فيه، مضيفين إليه، متفاعلين معه ليكون المسلمون هم القدوة«. وبيّن أن المركز لن يقوم باستجلاء التراث فحسب، بل سيقوم على شيء آخر، وهو محاولة استجلاء إسهامات المسلمين في العالم المعاصر، فالمسلمون مازالوا يسهمون، وعلينا أن نبرز ذلك، وهذه هي الرسالة الأخرى التي ستضاف لمهمة المركز. مفتاح الطب ومن جهته، أوضح د.عثمان البيلي مدير »مركز إسهامات المسلمين في الحضارة« وزير التعليم السوداني الأسبق، أن ترجمة كتاب ابن هندو »مفتاح الطب ومنهاج الطلاب« والذي يتم الاحتفاء به اليوم، هو أول إصدارات المركز بعد انضمامه لكلية الدراسات الإسلامية. والمجلد السابع عشر من مجموع ترجمات المركز ضمن سلسلة أمهات الكتب في الحضارة الإسلامية التي ينشرها المركز بالتعاون مع مؤسسة جارنت للطباعة والنشر ببريطانيا. وبيّن أن الكتاب قامت بترجمته للإنجليزية الدكتورة عائدة الطيبي، وراجعته إميلي سافدج إسميث. وألقى د. البيلي إطلالة على »مركز إسهامات المسلمين في الحضارة«، مشيرا إلى أنه أُسس عام 1983، ليتولى نشر سلسلة أمهات الكتب في الحضارة الإسلامية بعد أن نشأت الفكرة بين أساتذة وعلماء، كان على رأسهم الشيخ محمد بن حمد آل ثاني وزير التربية الأسبق، والعلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي وغيرهم من العلماء الأفذاذ.