أشهر جغرافي مسلم في التاريخ ابن حوقل.. مصور الأرض الرحالة المغامر جغرافي شهير تنقل بين الكثير من بلدان العالم الإسلامي شرقا وغربا رغبة في التجول والترحال بين المدن والأقاليم. لقد كان نموذجًا لكل التجار والمغامرين وكل من يرغب أن يسلك هذا الدرب. لقد كان بجولاته وترحاله بين أقطار وبلدان العالم الإسلامي وتأليفه لكتاب صورة الأرض من أشهر الرحالة المسلمين بل أصبح قدوة لكل من أراد أن يسلك هذا الطريق. هو أبو القاسم محمد بن علي بن حوقل البغدادي ثم الموصلي النصيبي. ولد ابن حوقل بنصيبين بالجزيرة ولم يعرف تاريخ مولده إلا أنه قضى طفولته بنصيبين ثم عمل بالتجارة بالموصل فترة من الزمن ومنذ نشأته قرأ كثيرا عن الرحلة والترحال وأحوال الجغرافيين فطالع كتب ابن خرداذبة وقدامة بن جعفر والجيهاني فزاد شغفه بحب الرحلة والترحال فعزم على السفر لتجول البلدان من ناحية ولتحصيل الرزق من ناحية أخرى. رحلات ابن حوقل عزم ابن حوقل على السفر والارتحال عام 331ه فظل يجول بين البلدان لأكثر من ثلاثين عامًا [ولقد تجول في أرجاء العالم الإسلامي شرقه وغربه من نهر السند حتى المحيط الأطلسي وتوغل في كثير من الأماكن ما عدا الصحراء الكبرى التي لم يرى منها إلا جزاءًا بسيطًا إلا أنه دخل البلغار ووصل إلى أواسط نهر الفولغا (منبعه من روسيا) للعمل بالتجارة إضافة إلى دراسة أحوال البلاد وسكانها. كما تجول ابن حوقل بأقطار المغرب العربي والأندلس ومر بنابولي وبلرمو عام 363ه ويعد ابن حوقل من أكثر الرحالة دراية في شئون المغرب [ كان حب ابن حوقل للمغامرة والترحال هو الذي دفعه إلى التنقل بين أرجاء المعمورة باحثًا عن بلد جديد وعن شعوب وعادات مختلفة عن تلك التي يعرفها. وقد لقي ابن حوقل الأصطخري عام (340ه /952م) وكان الأصطخري قد صنع خريطتين أحدهما غير جيدة للسند والأخرى جيدة لفارس فأره ابن حوقل خريطتين من صنعه أحدهما لأذربيجان والأخرى للجزيرة فمدحهما الأصطخري كثيرًا ثم طلب منه أن يعيد النظر في كتابه ويحسنه ففعل ابن حوقل ذلك [ ومنذ ذلك الوقت أصبح الأصطخري دليل ابن حوقل الجغرافي حتى أنه لما ألف كتابه احتذى به. ابن حوقل .. منهجه العلمي لقد كانت آراء ابن حوقل ونظرياته تختلف عن من سبقوه لأن معلومته اكتسبها عن طريق المشاهدة والاستنباط من خلال رحلاتها التي استمرت لمدة ثلاثين عامًا كما اشتهر ابن حوقل برسم الخرائط [4]. ويتحدث ابن حوقل عن رحلاته قائلاً: وقد حررت ذكر المسافات واستوفيت صور المدن وسائر ما وجب ذكره .. وسائر ما يكون عليه أشكال تلك الصورة والعمل وموقع كل مدينة من مدينة تجاورها وموضعها من شمالها وجنوبها وكونها بالمرتبة من شرقها وغربها ليكتفي الناظر ببيان موقع كل إقليم وموضعه ومكانه وما توخيته من ترتيبه وأشكاله وقصصه من أحواله وأخباره .. وقد فصلت بلاد الإسلام إقليمًا وصقعًا صقعًا وكورة كورة لكل عمل وبدأت بذكر ديار العرب فجعلتها إقليمًا واحدًا لأن الكعبة فيها ومكة أم القرى وهي واسطة هذه الأقاليم عندي. وأتبعت ديار العرب بعد أن رسمت فيها جميع ما تشتمل عليه من الجبال والرمال والطرق وما يجاورها من الأنهار المنصبة إلى بحر فارس ببحر فارس لأنه يحتف بأكثر ديارها وشكلت عطفه عليها ولأن بحر فارس يعطف من جزيرة مسقط مغربًا إلى مكة وإلى القلزم عن خمسين فرسخًا من عمان ويدعى ذلك الموقع رأس الجمجمة ثم ذكرت المغرب ورسمته في وجهين وبدأت بشكل ما حاز منه أرض مصر إلى المهدية والقيروان وما في براريها من المدن وإن قلت وأعقبتها بباقي صورته من القيروان والمهدية إلى أرض طنجة .. ورسمت على بحره مدنه الساحلية وشكلت طرقه إلى جميع أنحائها مغربه ومشرقه في سائر جهاتها. ثم ذكرت مصر في شكلين حسب ما جرى رسم المغرب به ولطول العمل أعربت فيهما عن حال مدنها ومواقعها على المياه الجارية في أرضها وما كان برسمها في البعد عن المياه وخططت جبالها ومياهها بخلجانها وشعبها واتصال بعضها ببعض وانفصالها إلى البحر الميت على حيالها وما يصب من ماء الفيوم إلى بحيرة أقنى وتنهمت. ثم صورت الشام وأجناده وجباله ومياهه من أنهاره وبحره وما على ساحله من المدن وبحيرة طبرية بحيرة زغر وتيه بني إسرائيل وموقعه من ظاهر الشام ثم بحر الروم وكيفيته في ذاته وشكله في نفسه وما عليه من الجانب الشرقي للروم من المدن والأعمال المحاذية لبلد المغرب وذكرت ما بقلوريه للروم من المدن والانكبرذه والزنقة المعروفة ببلبونس والخليج الخارج من بحر الروم إلى المجاز المحيط على القسطنطينية ومياه بلد الروم وأكابر أنهاره ومدنه وكنت استوفيت صورة الأندلس في أشكال المغرب فلم أعد شيئًا منها وقد رسمت في هذا البحر الجزائر المشهورة المسكونة وما دعت الحاجة إلى ذكره إذ كان مسكونًا مشهورًا [ ويتحدث عن مدينة قرطبة قائلاً: وأعظم مدينة بالأندلس قرطبة وليس بجمع المغرب لها شبيه ولا بالجزيرة والشام ومصر ما يدانيها في كثرة أهل وسعة رقعة وفسحة أسواق ونظافة محال وعمارة مساجد وكثرة حمامات وفنادق ويزعم قوم من سافرتها الواصلين إلى مدينة السلام أنها كأحد جانبي بغداد وذلك أن عبد الرحمن بن محمد (عبد الرحمن الناصر) صاحبها ابتنى في غربها مدينة وسماها ب الزهراء في سفح جبل حجر أملس يعرف بجبل بطلش وخط فيها الأسواق وابتنى الحمامات والخانات والقصور والمتنزهات واجتلب إليها العامة بالرغبة وأمر مناديه بالنداء في جميع أقطار الأندلس: ألا من أراد أ يبتني دارًا أو أن يتخذ مسكنًا بجوار السلطان فله من المعونة أربع مائة درهم فتسارع الناس إلى العمارة وتكاثفت الأبنية وتزايدت فيها الرغبة وكادت الأبنية أن تتصل بين قرطبة والزهراء ونقل إليها بيت ماله وديوانه ومحبسه وخزائنه وذخائره [ مؤلفات ابن حوقل لقد وضع ابن حوقل كتاب يحمل اسم (المسالك والممالك) نسبة إلى كتاب الأصطخري الذي أعاد النظر فيه وهناك تسمية أخرى تعرف باسم (صورة الأرض). ويتحدث ابن حوقل عن سبب تأليفه لهذا الكتاب قائلًا: إن الغرض في كتابي هذا تصوير هذه الأقاليم التي لم يذكرها أحد علمته ممن شاهدها فأما ذكر مدنها وجبالها وأنهارها وبحارها والمسافات فيها وبعض ما أنا ذاكره فقد يوجد في الأخبار متفرقًا ولا يتعذر على من أراد تقصي شيء من ذلك من سافرة أهل كل بلد وإن كانت المتعصبة للبلدان والقبائل جارية على خلاف م توخيته وشرعت فيه ورسمته من قصدها لحقائقها وإيرادها على ما هي عليه من طرائقها [ شهادة علماء الغرب لابن حوقل يتحدث كراتشكوفسكي عن كتاب ابن حوقل قائلًا: وقد ترسم ابن حوقل خطى السابقين له في تنظيم كتابه ولكن مادة الكتاب نفسها معروضة عرضًا دقيقًا مع توضيح لبعض النقاط الجوهرية [ ويتحدث كراتشكوفسكي -أيضًا- عن ابن حوقل قائلاً: يتضح أن ابن حوقل شأنه في هذا شأن بقية ممثلي المدرسة الكلاسيكية قد حصر اهتمامه على وجه التقريب في وصف (دار الإسلام) خاصة إيران ولكنه كان يتجاوز في حالات معينة بالطبع نطاق العالم الإسلامي فمثلاُ لا يخلو من بعض القيمة روايته عن هزيمة الروس للبلغار والخزر حوالي عام 358ه / 969م حيث كان المؤلف آنذاك بجرجان. وهذا الحادث يتفق مع حملة اسقياتوسلاف أمير كييف على الخزر عام 965م وقد ظهر في الآونة الأخيرة رأي يقرن هذا الحادث بحملة هارالد إيركسون ملك النرويج. وإذا تركنا جانبًا نقاط التشابه العديدة فإنه يجب الاعتراف بأن ابن حوقل هو الخبير الأول من بين جغرافي هذه المدرسة في شئون المغرب [. وإذا قارنا بين كتاب ابن حوقل والإصطخري نجد أن ابن حوقل يدين بالكثير للإصطخري حيث أخذ عنه مخططه كما أخذ عنه فصول تتعلق بجزيرة العرب والخليج العربي وخوزستان وفارس وغيرها واكتفى فيها ابن حوقل بإضافة زيادات مهمة كما استعار منه البحوث المتعلقة بمصر وبلاد الشام والعراق وبلاد ما بين النهرين. أما التغيير فيظهر في الأقسام المطروحة لأقطار المغرب وإسبانيا وصقلية -الجناح الغربي من العالم الإسلامي- فتظهر فيها روح ابن حوقل وكتاباته المختلفة عن الإصطخري [ وقد حقق هذا الكتاب دي جويه De Goege ثم أعيد طبعه عام 1938م [11] وقد ترجمه إلى الفرنسية المستشرقان كرامر وفييت وصدر في باريس عام 1964م [12]. وقد توفي ابن حوقل عام 380ه / 990م.