(أخبار اليوم) تنشر ملامح سيناريو الفيلم *** * مثقّفون يحذّرون من إهانة شيخ الأمّة مجدّدا ---- يواجه فيلم (ابن باديس) قبل أن يرى النّور موجة عارمة من الانتقادات بدءا باختيار المخرج وكاتب النصّ وانتهاء بالسيناريو الذي تمّ كشف بعض ملامحه مؤخّرا وفي وقت يحذّر فيه مختصّون من تكرار فشل فيلم (عذراء الجبل) التاريخي يخشى آخرون مهزلة أخرى تطارد (شيخ الأمّة الجزائرية) في قبره كتلك التي رافقت تمثاله الحجري في قسنطينة. هل يكون فيلم (ابن باديس) في مستوى مكانة رائد الإصلاح في الجزائر ومؤسّس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟ سؤال يتبادر إلى ذهن عديد المتابعين للشأن الثقافي والتاريخي والديني في ظلّ توالي التجارب السينمائية والدرامية التي جاءت مخيّبة للتوقّعات والميزانيات مؤخّرا. هذه التساؤلات وأخرى أجاب عليها كاتب سيناريو الفيلم وهو الشاعر رابح ظريف بالقول إن الجزائريين لن يشاهدوا في هذا العمل الصورة النمطية التي تروّج عن (ابن باديس) من خلال الخطب الدينية وغيرها بل سيكتشفون أنه شخصية وطنية محبّة للجزائر ومشكلته الوحيدة كانت مع العدو الفرنسي فالعلاّمة -حسبه- لم يكن داعية أو معلّم قرآن فقط بل كان مثقّفا يسمع الموسيقى ويحضر الرياضة وما روّج عنه من كتابات -يضيف- خاطئة وتحمل مغالطات كبيرة. هذا هو السيناريو.. يتناول الفيلم السينمائي الذي سيتمّ إخراجه تلفزيونيا أيضا جوانب من حياة العلاّمة ابن باديس ويبدأ مشهد الفيلم السينمائي بوفاة جدّ ابن باديس عام 1899 ويسير العمل في مسارات متعدّدة لكن الرّواق الرئيسي سيركّز على نضال ابن باديس ضد المستعمر الفرنسي والمؤامرات التي تعرّض لها من طرف البوليس السرّي ومحطات سفره إلى تونس واكتشافه عوالم الفكر الجديدة. ويؤكّد رابح ظريف كاتب النصّ للتلفزيون والسينما أن (ابن باديس تمكّن من التحايل على الاستعمار لأكثر من 25 سنة فكان مهادنا في العلن ومناضلا في الخفاء ببناء جيل يواجه فرنسا). ويشير ظريف إلى أنه تطرّق إلى جميع ظروف الحياة المحيطة بالعلاّمة ابن باديس لحوالي 40 سنة منذ أن كان عمره ثماني سنوات ويعتبر أن المسلسل والفيلم السينمائي (يوثّقان حياة حقيقية لا يعرفها الجميع عن العلاّمة ابن باديس ابن العائلة الأرستقراطية الذي تبرّأ منه أبوه بطلب من المستعمر الفرنسي ورسالة والده ما تزال شاهدة على ذلك). ويعتمد كاتب النصّ على أزيد من 150 مرجع تاريخي حول العلاّمة ابن باديس كما تحصّلت الجهة المنتجة على أرشيف البوليس الفرنسي الخاصّ بتقارير التحرّكات اليومية لبطل الفيلم بينما لم يتمّ العثور على أيّ وثيقة فرنسية عن قضية محاولة اغتيال ابن باديس التي اتّهمت فيها الزاوية العلوية بالجرم. وسيسير العمل في سياق محطات درامية من حياة العلاّمة يعتمد فيها الطاقم على (الحذر التاريخي) الذي لا يتلخّص في نضال جمعية العلماء المسلمين التي أخذت 9 سنوات من عمره بينما يزعم ظريف أن (ابن باديس كان أكبر من جمعية العلماء المسلمين). وتواصل فريق العمل مع عبد الحفيظ ابن باديس الذي منح معلومات خاصّة جدّا عن ابن باديس منها أن العلاّمة كان يداوم على حضور عروض المسرح والحفلات الموسيقية ويكفي أنه أسّس فريق مولودية قسنطينة لكرة القدم ولم يكن متطرّفا في حياته. وتقول وثيقة عن البوليس الفرنسي موثّقة في 26 جانفي 1958 وهي تقرير تلخيصي عن ابن باديس إنه (لا يمكن الفصل بين الحركة التي قادها ابن باديس وأول نوفمبر). ويضمّ العمل بعض المواقف الدرامية القوية منها وفاة ابن باديس وطلاقه من زوجته سنة 1932 وفاجعة اليهودي. وينتهي العمل بمشهد ملحمي جنائزي للعلاّمة عبد الحميد ابن باديس ناظم رائعة شعب الجزائر مسلم الذي يرحل بعد فرضية اغتياله مسموما. مُخرج أجنبي.. لماذا؟ اعترضت الطبقة المثقّفة على اختيار المخرج السوري باسل الخطيب لإخراج فيلم (ابن باديس) بدعوى أنه أجنبي ويجهل تاريخ الجزائر وجوانبها الثقافية والحضارية. ومن بين الذين لم يرق لهم ذلك المثقّف والإعلامي سليمان بخليلي الذي عاتب المسؤولين الذين أوكلوا مهمّة إخراج الفيلم إلى السوري باسل الخطيب قائلا: (أن تُسندَ مهمّة إخراج عمل تلفزيوني أو سينمائي عن ابن باديس لمُخرِج شقيق لكنه أجنبي عن بلادنا لا يعرف تاريخ الجزائر ولا أعلام الجزائر ولا يعرف عن الجزائر سوى سعر صرف الدينار مقابل الدولار). وأضاف بخليلي في تدوينة نشرها على موقعه الرسمي في (الفايس بوك): (كل الجزائريين بلا استثناء يعرفون مسلسل الشيخ بوعمامة ويحفظون تفاصيله عن ظهر قلب لكن لا أحد من الجزائريين يتذكّر مسلسلا عنوانه [عذراء الجبل] الذي يتناول سيرة حياة [لالّة فاطمة نسومر] ليس بسبب السيناريو الذي كتبه الوزير عزّ الدين ميهوبي فلهذا الشاعر باع طويل في فنّ كتابة سيناريوهات لأعمال ضخمة يشهد له بها القاصي والداني لكن بسبب إسناد مهمّة إنتاجه وإخراجه لأجانب عن الجزائر حيث أصبح المسلسل الذي كلّف مليون ونصف مليون دولار في خبر كان ولم يثر انتباه أحد سوى فئة قليلة من إخواننا القبائل الذين سجّلوا آنذاك اعتراضهم على طريقة إخراج هذا العمل بطريقة مشرقية لا علاقة لها بالطبيعة ولا بالواقع الجزائري بل وعمل بعضهم على إخراج طبعات موازية لسيرة [لالّة فاطمة نسومر] بمبلغ لا يزيد عن مليار ونصف مليار سنتيم نكاية في عمل باهت كلّف خزينة التلفزيون آنذاك مليون ونصف المليون دولار). * (الشبهات) تطارد السيناريست رابح ظريف ينتقد متابعون أيضا اختيار الشاعر رابح ظريف لكتابة سيناريو فيلم الإمام ابن باديس بل منهم من يقول إن الاختيار وقع عليه لعلاقته الشخصية مع الوزير عزّ الدين ميهوبي. وردّ ظريف على هذه الاتّهامات بالقول: (أنا جدّ سعيد بهذه الثقة التي منحها لي الوزير التي لم أحصل عليها من مسؤول بل من مثقّف وكاتب يريد أن لا يأخذ مصير فيلم عبد الحميد ابن باديس مصير فيلم الأمير عبد القادر) وأضاف في تصريحات صحفية حديثة: (علاقة الوزير جيّدة بالمحيط المثقّف ليس فقط في الجزائر بل في العالم العربي ولو منح العمل لكاتب آخر لقيل نفس الكلام وطرح نفس السؤال وبالنّسبة لي فقد كتبت سيناريو فليمين في السابق من إنتاج وزارة المجاهدين ولا علاقة لي بوزير المجاهدين كما اشتغلت في الكتابة لأعمال تلفزيونية). وفي الموضوع كتب الإعلامي سليمان بخليلي إنه لا اعتراض عنده على أن يُسنِد (الشاعر) وزير الثقافة ل (الشاعر) رابح ظريف كتابة سيناريو فيلم الإمام عبد الحميد ابن باديس (فلهذا الشاعر باع طويل في فنّ كتابة سيناريوهات لأعمال ضخمة يشهد له بها القاصي والداني) لكنه عاد ليشبّه رابح ظريف بالميكانيكي عندنا يتحوّل في رمضان بقدرة قادر إلى صانع زلابية قائلا: (ما الذي يمنع أن يتحوّل شاعر إلى سيناريست وراقص إلى داعية وجزّار إلى رئيس حزب سياسي؟). * حذاري من مهزلة أخرى في حقّ علاّمة الأمّة أثار التمثال الذي جسّد عبد الحميد ابن باديس رحمه اللّه جدلا كبيرا بين المثقّفين خاصّة عندما انتشرت تلك الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي أين وُضع في فم تمثال الشيخ سيجارة وشوهد طفل صغير جالسا على رأسه وصورة أخرى يظهر فيها مجسّم الشيخ يحمل هاتفا ذكيا. وقد حزن الكثير لهذا المشهد واعتبروه كارثة وإهانة للشيخ الجليل ما جعل العديد من المثقّفين يحذّرون من كوارث ومهازل أخرى قد تطال الإمام ابن باديس من بوّابة (الفنّ السابع).