فور المصادقة على المشروع من طرف البرلمان *** * لهذه الأسباب لن يحال الدستور على الاستفتاء الشعبي * بوتفليقة يأمر بتوسيع المادة 51 (المثيرة للجدل) *** حسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بشكل رسمي آلية تفعيل التعديل الدستوري بعدما أمر الحكومة بالتعاون مع البرلمان لتوفير الشروط اللاّزمة بغرض المصادقة على الدستور الذي جاء تتويجا لورشة الإصلاحات السياسية التي باشرها الرئيس منذ سنوات معلنا في ذات الصدد أنه سيطلق ورشة كبرى من أجل تنفيذ القوانين وتنصيب الهيئات المستحدثة بموجبه. أعلن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في اجتماع مجلس الوزراء الذي انتهت أشغاله في ساعة متأخّرة من يوم الاثنين أنه سيطلق ورشة كبيرة من أجل تنفيذ الدستور فور المصادقة على المشروع مؤكّدا أنه يتعيّن على الحكومة العمل بسعي من البرلمان وبمساعدته على تحضير القوانين المترتّبة عن هذه المراجعة الدستورية والمصادقة عليها وتوفير الشروط اللاّزمة لتنصيب الهيئات المستحدثة. وبهذه الخطوة يكون عبد العزيز بوتفليقة استبعد فرضية إحالة المشروع الدستوري على الاستفتاء الشعبي كما أحال مسودة التعديل الدستوري على المجلس الدستوري لإصدار حكم بشأنه. وقال ذات البيان إن الرئيس بوتفليقة أخطر المجلس الدستوري بالتعديل وطلب منه إصدار رأيه فيه من ناحية الشرعية الدستورية وإمكانية عرضه على البرلمان بغرفتيه في جلسة مشتركة. ويلزم الدستور الجزائري الرئيس بعرض التعديلات المقترحة على المجلس الدستوري وإذا ارتأى المجلس أن التعديل الدستوري لا يمسّ البتّة المبادئ العامّة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرّياتهما ولا يمسّ التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسّسات الدستورية أمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمّن التعديل الدستوري مباشرة عبر البرلمان دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي. لهذه الأسباب لن يحال الدستور على الاستفتاء الشعبي كرّس المشروع التمهيدي المتعلّق بمراجعة الدستور المصادق عليه من طرف مجلس الوزراء تقوية الوحدة الوطنية وتعزيز الديمقراطية ودولة القانون وهي شروط المجلس الدستوري لتمكين رئيس الدولة من إصدار القانون الذي يتضمّن التعديل الدستوري مباشرة عبر البرلمان دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي. يؤكّد المشروع التمهيدي للدستور على تقوية الوحدة الوطنية وتعزيز الديمقراطية ودولة القانون إلى جانب تحسينات أدرجت على مستوى بعض المؤسّسات. وفي هذا الإطار يبرز نصّ المشروع عناصر الهوية الوطنية بمكوّناتها الثلاثة إذ يسجّل تقدّما جديدا من خلال ترقية الأمازيغية إلى لغة وطنية ورسمية بالإضافة إلى إنشاء أكاديمية لها تكون تحت إشراف رئيس الجمهورية مكلّفة بتوفير الشروط المطلوبة لهذه المكانة للّغة الأمازيغية بمساهمة خبراء في هذا المجال. وبشأن المحور الخاصّ بتعزيز الديمقراطية فان مشروع الدستور يؤكّد على (طبيعة النظام الديمقراطي والجمهوري) للدولة الجزائرية الذي يرتكز على (التداول الديمقراطي على السلطة عن طريق انتخابات حرّة ودائمة وكذلك الفصل بين السلطات) (المادة 14). وأكّدت الوثيقة في هذا الجانب على أن التداول الديمقراطي عبر الاقتراع العام (سيدعّم بالتأكيد إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرّة واحدة فقط مع التأكيد على عدم مراجعة الدستور بهذا الخصوص). كما حظي نظام الانتخابات بضمانات جديدة تهدف إلى ضمان مصداقيتها بوضع هيئة عُليا مستقلّة لمراقبة الانتخابات وهي الهيئة الدائمة التي تكون مرؤوسة من قِبل شخصية مستقلّة وتتكوّن من قضاة وكفاءات مستقلّة تختار من قِبل المجتمع المدني. من جهة أخرى ستقوّي مراجعة الدستور مكانة المعارضة البرلمانية بما في ذلك تخصيص حصّة شهرية لها على مستوى كل غرفة لدراسة جدول الأعمال المقترح من قِبلها كما سيصبح بإمكان هذه المعارضة إخطار المجلس الدستوري بخصوص القوانين المصادق عليها من قِبل البرلمان. في ذات الشأن يؤكّد مشروع الدستور على سلطة البرلمان ومراقبته للحكومة حيث أن الأغلبية البرلمانية ستتمّ مشاورتها من قِبل رئيس الجمهورية من أجل تعيين الوزير الأول كما يستوجب على الوزير الأول أن يقدّم سنويا للبرلمان بيان السياسة العامّة لحكومته. وفي المحور الخاصّ بتعزيز دولة القانون تنصّ الوثيقة على إثراء الحقوق والحرّيات الفردية والجماعية من خلال تجريم الممارسات العنيفة غير الإنسانية والضارّة بالأشخاص ودعم استقلالية القضاء من خلال منع كل تدّخل في شأن مجريات شؤون العدالة وتقوية استقلالية المجلس الأعلى للقضاء إضافة إلى التأكيد على الطابع الاستثنائي للحبس المؤقّت. وبخصوص المجلس الدستوري فإن وثيقة التعديل تنصّ على استقلالية هذه الهيئة من خلال آداء أعضائه اليمين وكذا اكتساب هؤلاء الأعضاء لمؤهّلات عُليا في مجال القانون. وفي المحور المتعلّق بالتحسينات على مستوى بعض المؤسّسات الدستورية فقد نصّ المشروع في الجانب المتعلّق بالبرلمان على معاقبة التجوال السياسي من خلال حرمان المعنيين من عهدتهم البرلمانية وإرساء دورة سنوية واحدة لعشرة أشهر. كما تمّ في هذا الإطار إعطاء الأولوية لمجلس الأمّة في معالجة مشاريع القوانين المتعلّقة بالتنظيم المحلّي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي. أمّا فيما يتعلّق بالمحور الخاصّ بتعزيز مراجع مجتمع مؤصّل في قيمه ومتفتّح على الرقي فتؤكّد الوثيقة على تأطير التحوّل الاقتصادي من خلال الخيارات الوطنية ومسؤوليات الدولة المنصوص عليها في الديباجة وفي المواد 8 17 37 173 7 و173-8 بما يؤكّد (حماية الملكية العامّة بناء اقتصاد منتج تنافسي ومتنوّع بالاعتماد على كل الثروات الطبيعية والإنسانية والعلمية للدولة) كما يتمّ ذلك من خلال (حماية الأراضي الفلاحة والموارد المائية وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية وحمايتها للأجيال القادمة وضمان حرّية الاستثمار وحرّية التجارة في إطار القانون وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع المؤسّسة المحلّية دون تمييز). ويؤكّد المشروع على أن (الدولة تشجّع على إنجاز المساكن) وتعمل على (تسهيل حصول الفئات المحرومة على سكن). تتويج لورشة الإصلاحات يعتقد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن مراجعة الدستور تشكّل تتويجا لورشة واسعة من الإصلاحات السياسية التي باشرتها منذ سنوات كما دافع عن المراجعة الدستورية بقوله إنها (تستجيب للتحدّيات الرّاهنة كما أنها تمهّد الطريق للأجيال الصاعدة لصالح جزائر تزداد سنة بعد سنة تجذّرا في تاريخها وقيمها وحرصا على استقلالها وسيادتها وعزما على تبوّء مكانتها في محفل الأمم بفضل وحدة داخلية تعزّزها الديمقراطية وبفضل الاستثمار الفعلي لكل الطاقات البشرية والاقتصادية). وأفاد بوتفليقة -وفق بيان رئاسة الجمهورية- بأنه يتمنّى أن يستلهم الأعوان العموميون في كل القطاعات والمتعاملون الاقتصاديون وكافّة المواطنين والمواطنات من نصّ ومن روح دستور البلاد الذي تمّ إثراؤه ليستمدّوا منه كل في مجاله الكثير من المحفزّات لمزيد من البذل والعطاء في البناء الوطني). وتوجّه رئيس الجمهورية بالشكر (لكلّ الذين وافقوا على تقديم مساهمتهم آملا أنهم وجدوا في هذا النصّ جزءا معتبرا من الآراء التي طرحوها). وأوضح رئيس الدولة أن (الطموح الذي يحمله هذا الاقتراح الخاصّ بمراجعة الدستور يتمثّل في تزويد الوطن بمعايير متجدّدة في المجالات السياسية والاقتصادية والحكامة لمواجهة تحدّيات العصر). وقال بوتفليقة أيضا: (حقّا لقد حرّر جيل بطولي الجزائر من نير الاستعمار وواصل نضاله من خلال إقامة جمهوريتنا وإطلاق البناء الاقتصادي للبلاد ليتسلّم جيل آخر المشعل من أجل إرساء ديمقراطيتنا التعدّدية والعمل على بروز اقتصاد سوق تنافسية حقيقية). بوتفليقة يأمر بتوسيع المادة 51 المثيرة للجدل تعتبر المادة 51 أبرز نقطة خلافية بين الأحزاب السياسية في الدستور الجديد وهي التي تشترط الجنسية الجزائرية دون سواها لتولّي المسؤوليات العُليا في الدولة والوظائف السياسية. ففي الوقت الذي أعلن فيه الأرندي على لسان أمينه العام أحمد أويحيى مباركته ومساندته المطلقة لهذه الوثيقة بكل المواد الواردة فيها ومنها المادة 51 احتجّ زعيم الأفلان عمار سعداني عليها ووصفها ب (المجحفة) على خلفية أن هذا البند سيحرم 6 ملايين جزائري من حقوقهم الوطنية على حد تعبيره. من جانبه طالب رئيس حزب (تاج) عمار غول بإخضاع الوثيقة لمزيد من النقاش والإثراء فيما اِلتمس رئيس الحركة الشعبية عمارة بن يونس من الرئيس بوتفليقة توضيح المادة ومراجعتها. وفي ردّه على مطالب الأفلان والحركة الشعبية أمر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بتوسيع المادة 51 من مشروع القانون المتعلّق بمراجعة الدستور بإضافة (القانون الذي سيحدّد قائمة المناصب العليا في الدولة) المعنية بهده المادة حسب ما علم مساء الاثنين من مصادر رسمية. وتنصّ المادة 51 -كما جاءت في المشروع التمهيدي الذي صادق عليه مجلس الوزراء أمس- على أنه (يتساوى جميع المواطنين في تقلّد المهام والوظائف في الدولة دون أيّ شروط أخرى غير الشروط التي يحدّدها القانون. التمتّع بالجنسية الجزائرية دون سواها شرط لتولّي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية). هذه أهمّ المكاسب في الدستور الجديد كانت رئاسة الجمهورية قد كشفت الثلاثاء الماضي عن مسودة التعديل الدستوري التي تضمّنت تحديد العهدة الرئاسية لرئيس الجمهورية بعهدة رئاسية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرّة واحدة وتعيين الوزير الأول بعد فتح مشاورات مع الأغلبية البرلمانية وترسيم الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية وإلزام الوزير الأول بتقديم عرض حال السياسة العامّة كل سنة وحقّ البرلمان في مناقشة الاتّفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها من قِبل الرئيس وتحديد العمل بالمراسيم الرئاسية إلاّ في الحالات المستعجلة وأثناء عطلة البرلمان. ويعزّز الدستور الجديد الحرّيات الفردية من خلال تجريم المعاملات اللاّ إنسانية ضد المواطن وتعزيز حرّية العدالة ويمنع أيّ تدخّل في مسار القضاء ومعاقبة أيّ عرقلة في تنفيذ قرار العدالة وحرّية التظاهر السلمي للمواطن وضمان حرّية الصحافة المكتوبة والمسموعة والالكترونية.