بقلم: أحمد برقاوي* يندر أن تجد شعباً يعيش في إقليم محدد بلا دولة وإن وجد هذا الشعب فهناك ظروف تاريخية ما حالت دون ذلك. فالدولة تعني إذاً إقليما يسكنه مجموعة من السكان عاشوا معاً تاريخياً وقرروا الخضوع لسلطة تمثلهم وتستمد منهم الشرعية شرعية تُمَارس عبر مؤسسات حكومية تحقق مصالح السكان وتحتكر القوة لحماية الدولة وإنفاذ القانون وتحوز الاعتراف المجتمعي والعالمي بسيادتها. هذا كلام مجرد جداً عن الدولة من حيث بنيتها وفرضيتي تقوم على أنه يمكن أن تتوافر جميع شروطها ولكنها قد تكون دولة ضعيفة جداً. ما هي الدولة الضعيفة؟ ثلاثة عناصر أساسية تحدد الدولة ما إذا كانت قوية أو ضعيفة: السيادة الشرعية الاقتصاد. فسيادة الدولة على أرضها وثرواتها والحفاظ على أمنها الداخلي والخارجي أحد مظاهر القوة وبالعكس فإن الدولة التي فقدت السيادة هذه هي دولة ضعيفة جداً بل هي دولة فاشلة بالمعنى الشامل للكلمة. فسوريا والعراق ولبنان والصومال وليبيا نماذج فاقعة للدولة الضعيفة الآن. أما الشرعية فهذا أمر مرتبط بالسلطة والاعتراف بشرعيتها وبنظام إنتاجها فالترابط بين الشرعية والاعتراف ترابط مطلق وهو الذي يصنع الولاء والانتماء. تفقد السلطة شرعيتها إذا جاءت عن طريق الغلبة واستمرت عن طريق الغلبة وبوسائل قمع للحفاظ على الغلبة كما تفقد شرعيتها إذا نظر إليها ككل أنها سلطة فاسدة هبّاشة للمال العام ومعيقة لتقدم المجتمع فالغلبة تحرمها من الاعتراف ومن الإجماع على شرعيتها فتقع في تناقض مع المجتمع ويغدو هاجسها قهره عبر القمع فتتحول بنظر المجتمع الى سلطة احتلال وتحول الدولة إلى دولة مغبة وإلى حال السلطة - الدولة. والسُلط الدكتاتورية هي سلط فاقدة للشرعية وبالتالي للاعتراف ولهذا فهي تضعف الدولة إلى حد لا يكون لديها قوة مجتمعية أكثرية تعلن ولاءها لها. والدولة الضعيفة هذه تعتقد بأنها عبر امتلاكها القوة الأمنية والعسكرية تتمتع بالقوة مع أن هذا الامتلاك دلالة على الضعف لأن مقصوده الحفاظ على السلطة وليس على الدولة. ولا تستطيع في حالة العدوان الخارجي أن تحشد المجتمع وقواه وراءها بل على العكس فإن ضعفها يسمح لجزء من السكان بتوسل الخلاص من الأجنبي. وآية ذلك أن غياب الشعور بالحرية بل والشعور بالعبودية يجعل من فكرة الخلاص من هذه السلطة هاجساً أول لدى الناس. والسلطة ذات الغلبة المسلحة إذا ما نُخرت بداء الفساد أصبحت سلطة مغتربة اغتراباً مطلقا عن المجتمع سينعكس هذا على غياب الشعور بالانتماء لدى الأكثرية. أما الاقتصاد فهو روح الدولة فالدولة القوية هي الدولة التي يكون اقتصادها قادراً على تحقيق التوازن بين مطلب الحاجات وتحقيقها وبالتالي تحقيق حد من الحياة الكريمة والأمن الغذائي والصحي وتوفير سبل الرفاه للأكثرية. تخيل دولة لا يجد فيها الفرد أمنه الغذائي والصحي وغير قادر على تلبية حاجاته البسيطة وتنمو لديه الرغبة في الهجرة إلى حيث توافر العيش الكريم. ماذا يعني أن تمتلك دولة قوة عسكرية جبارة بما فيها السلاح النووي وتعيش في الوقت نفسه حالة مجاعة. أو تكون نسبة من هم تحت حد الفقر تصل إلى نصف السكان. وهناك أنماط متعددة من الدول الفقيرة الضعيفة دول لم تتوافر على ثروات طبيعية ولا توجد فيها مؤسسات سلطة تفكر بالتعويض التقني العلمي عن ضعف الثورة الطبيعية. ودول ذات ثروات طبيعية قادرة فيما لو أُنتجت وأعيد إنتاج الرأسمال وتوظيفه مرة أخرى أن تحقق الرخاء الاقتصادي ولكنها تفتقر إلى سلطة شرعية معبرة عن المجتمع وتفكر في المجتمع. وفقر ناتج عن عمليات نهب وفساد وتبديد الدخل القومي على المؤسسة الأمنية - العسكرية. والحق أن وجود عنصر من عناصر الضعف التي ذكرت في دولة من الدول يعني بأن هذه الدولة ضعيفة فما بالك إذا توافرت جميع هذه العناصر من الضعف في دولة واحدة!؟ هذا ناهيك عن ترافق هذا كله مع فقر ثقافي.