هناك قصص حب رائعة لا تفتر ولا تتغير أو تتبدل فليس هناك أجمل من قصة الحب التي تنشأ بين العبد وربه... فيها أحبَّ الله عبده فخلَقه وأغدق عليه بالنعم وأحب العبد الله فأطاعه وترك كل مايغضبه... الله يغار على قلب عبده ومن علامات حب الله سبحانه وتعالى لعبده أنه يغار على قلب عبده أن يكون معطلاً من حبه وخوفه ورجائه فقد خلقه لنفسه وأختاره من بين خلقه كما في الأثر الإلهي: (ابن آدم خلقتُك لنفسى وخلقتُ كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقتُه لك عما خلقتك له) وفي أثر آخر: (خلقتُك لنفسي فلا تلعب وتكفلتُ لك برزقك فلا تتعب يابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فُتُك فاتك كل شيء وأنا خير لك من كل شيء). فهو جل وعلا يغار على لسان عبده أن يتعطل من ذكره ويشتغل بذكر غيره ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته وتشتغل بمعصيته .. وقد ثبتت صفة غيْرة الله تعالى على عبده في صحيح السنّة ومن ذلك: عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) رواه البخاري ومسلم وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّد وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَد أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّد وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرا). رواه البخاري ومسلم والغيْرة التي وصف الله بها نفسه إمَّا خاصة وهو أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه وإما عامة وهي غيرته من الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ومن أجمل ما كتب عن غيرة الله على عبده ماقاله الإمام الشافعي: كلما تعلقت بشخص تعلقاً ... أذاقك الله مر التعلق لتعلم أن الله يغار على قلب تعلق بغيره... فيصدك عن ذاك ليردك إليه. حب العبد لربه من عرف طعم الحب الحقيقي لله فقد ذاق من حلاوة الإيمان .. هذه الحلاوة التي بها يستلذ بالطاعات ويتحمل المشاق في سبيلها ويؤثرالأنس بالله على أغراض الدنيا ومتعها... ومحبة العبد لله تكون بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال ابن رجب رحمه الله: محبة الله سبحانه على درجتين إحداهما فرض لازم وهي أن يحب الله سبحانه محبة توجب له محبة ما فرضه الله عليه وبغض ما حرمه عليه ومحبة رسوله المبلغ عنه أمره ونهيه وتقديم محبته على النفس والأهل. والأخرى في الرضا بما بلغه عن الله من الدين وتلقي ذلك بالرضا والتسليم ومحبة الأنبياء والرسل والمتبعين لهم وبغض الكفار والفجار. وذكر ابن القيم رحمه الله أن الأسباب الجالبة لمحبة الله لعبده ومحبة العبد لربه: - قراءة القرآن بالتدبر لمعانيه وما أريد به. -التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض كما في الحديث القدسي (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) رواه البخاري. -دوام ذكرالله على كل حال باللسان والقلب. -مطالعة القلب لأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى ومشاهدتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها. - مشاهدة بره جل وعلا وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة. - انكسار القلب بين يدي الله. - الخلوة بالله وقت النزول الإلهي آخر الليل وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة. - مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم. -مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل. فمن هذه الأسباب وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب. - مدارج السالكين والحب يجعل قلب المؤمن رقيقا ونجد هذا واضحا في هذه الكلمات الرائعة للحلاج التي ينشدها المنشد أحمد الحداد: والله ما طلعت شمس ولا غربت. إلا وحبك مقرون بأنفاسي ولاجلست إلى قوم أحدثهم إلا وأنت حديثي بين جلاسي ولا ذكرتك محزونا ولا فرحا إلا وأنت بقلبي بين وسواسي ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيالا منك في الكاسِ ولو قدرت على الإتيان جئتكم سعيا على الوجه أو مشيا على الراسِ اللهم إنا نسألك حبك وحب من أحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك...