بقلم: عبد الحفيظ عبد الحي* ردا على المشككين في قدرة العرب على الوحدة وطعنهم لهذا الأمل ومحاولة شيطنته خاصة في ظل واقعنا الذي يطفو عليه التناحر وحدة التمزق فإنه لابد من استذكار التاريخ ونستلهم منه العبر ونستخلص الدروس وهنا أقصد حال أوروبا عشية البدء بالخطوات لتحقيق وحدتها ألم تكن خارجة من حرب طاحنة بين دولها هي الحرب العالمية الثانية وخصوصا بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا ألم تكن ظلال الحرب العالمية الأولى حاضرة في الوجدان الأوروبي ألم تكن حروب المئة عام .....؟؟ ومع ذلك أخرج الأوروبيون أنفسهم من التناحر إلى التكامل حتى بتنا اليوم نرى أوروبا رغم كل الفروق الثقافية والاقتصادية واللغوية والتاريخية والدينية بين شعوبها تسير قدماً على بناء قارة موحدة في الوقت الذي نعيش فيه نحن زمن الفرقة رغم الوحدة اللغوية الجغرافية والتاريخية ... تأتي ذكرى الوحدة المصرية السورية والوطن العربي يعيش مخاض تغيير جذري على محاور الديمقراطية والتنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية واجتثاث الفساد والمخالفات المتراكمة على أثر تلك المنعرجات التي بدأت في تونس ثم انتقلت إلى مصر القطر الأشد تأثيراً في الواقع العربي وكل الشعوب العربية ترقب وأمل دليل على عمق الشعور بوحدة المصير ما يشهده الوطن العربي في العديد من أقطاره سواء عبر ثورات الجماهير أو قمع الأنظمة إنما يؤكد أننا أمة واحدة بشعبها وأنظمتهما فالشعب العربي واحد والنظام الرسمي العربي واحد وأن الشعب العربي واحد عشية الذكرى لابد من تأكيد حقيقة الوحدة التي لم تكن وحدة عفوية وغير مدروسة. إذ جاءت تتويجاً للتفاعلات التي تواصلت بين سوريا ومصر منذ التقى صناع قرارهما على رفض حلف بغداد ربيع 1955. وخلال السنوات الثلاث التالية وقع القطران اتفاقيات عسكرية واقتصادية وثقافية. فضلاً عن أن شعار الوحدة مع مصر رفع في سوريا يوم 17/4/1956 لتعقب ذلك سلسلة من المقالات والمحاضرات المؤيدة والمعارضة للوحدة ما يدحض الادعاء بالعفوية والافتقار للدراسة في الأول من شباط 1958 خطا النظام العربي خطوة تاريخية باتجاه تحقيق غاياته القومية وذلك بإعلان الوحدة الاندماجية بين مصر وسورية بكل ما لهما من ثقل في هذا النظام. وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه أصبح الحلم حقيقة واقعة بموافقة الأغلبية الساحقة من الشعبين المصري والسوري على تلك الخطوة. وعلى اختيار جمال عبد الناصر رئيسا لدولة الوحدة. فرحة مؤقتة لكن فرحة الجماهير الفرح لم تدوم طويلا فقد تواصلت التحديات ومحاولات قهر إرادة الأمة. ولأن التجربة الوحدوية لم تستكمل مقومات وصمودها وواجهت ما هو أقوى بكثير من وقدراتها فقد انتكست هذه الوحدة بعد أقل من أربع سنوات على قيامها. بالتأكيد كانت هناك مؤامرات ودسائس وهجوم محموم على تلك التجربة وقد تم الإفصاح عن كثير منها من قبل الدوائر التي شاركت في الانقضاض على تجربة الوحدة في صيغة وثائق ومذكرات. لكن المؤكد أيضاً أن منطق الأشياء يقتضي ألا يحمل الوحدويون الخصم مسؤولية انتكاساتهم وهزائمهم ذلك أن من غير البديهي تصور إمكانية تعامل الأعداء والخصوم مع تجربة واعدة بهذا الحجم. قيام الوحدة بين مصر وسورية في 22 شباط 1958 والمواقف الشعبية العربية العامة والسورية منها خاصة تجاه الردة الانفصالية يؤشر إلى أن الطموح للتكامل العربي طموح واقعي وممكن تحقيقه إذا توافرت لدى القوى الاجتماعية المؤثرة في صناعة القرار القطري واستقلالية الإرادة والإدراك الواعي بضرورة التكامل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. لقد أثبتت تجارب الدول القطرية أن لا أمن قوميا يتحقق ولا تنمية اقتصادية تقوم ولا ديمقراطية حقيقية تسود ولا عدالة اجتماعية تترسخ من دون كيان عربي أكبر حاضن للكيانات الوطنية القائمة ومحترم لكل خصوصياتها. إن الوحدة العربية وبعد كل التجارب التي مرت بها _ لاسيما تجربة الوحدة المصرية السورية- لم تعد دعوة إلى صيغة اندماجية يهيمن فيها القطر الأكبر على القطر الأصغر بل باتت مشروعا لاتحاد يبدأ كونفدراليا ويتحول فدراليا بما يحترم واقع كل مكونات الاتحاد دولا أو جماعات فيحقق المصالح الكبرى للأمة من دون أن يهمل احترام خصوصيات كل قطر أو مكون من مكونات الأمة. فما أحوجنا اليوم إلى بناء وحدات وتكتلات كبرى في العالم وأن خطاب الوحدة والهوية هو خطابنا العصري وهو نضالنا الذي نعتبره حضاريا إنسانيا في سبيل الأمة وسبيل وجودها وخصوصاً بعد أن انكشف فشل كل المشاريع الإقليمية والعرقية والطائفية والمذهبية التي أرادوا بها تقسيم وكسر ظهر الأمة وتماسكها. أما القطرية فلابد من التذكير أنها أثبتت فشلها الوطني والقومي وأصبحت بحاجة للحفاظ على وحدة القطر الداخلية في وجه المشاريع الغربية الانفصالية والمتآمرة هذه الكيانات هي إطار لتفجر أزمات متلاحقة على كل صعيد وأن لا خروج من هذه الأزمات إلا بالتكامل القومي مع أقطار أخرى.