الله غالبٌ على أمره دروس وعبر من قصة سيدنا يوسف قد يحدُث لك يا صديقي ما حدث ليوسف من إخوته وإن لك فيه عبرة.. بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة في سورة يوسف عِبرٌ كثيرة لا يوفِّيها حقَّها سِفْرٌ عظيم فها هو ذا عليه وعلى نبينا السلام يقصُّ على أبيه رؤياه ويلفت أبوه نظرَه إلى أن لا يقُصَّ رؤياه على إخوته لكي لا يَكيدوا له كيدًا حسدًا من عند أنفسهم ويأتمرون به ولكن كان أمر الله دبَّروا أمرًا ونفَّذوه. فما الذي حمل هؤلاء الكبار على الكيد لهذا الصغير بغير ذنب ولا جريرة؟ ومن الذي دفعهم إلى هذا الفعل؟ إنه الحسد والغيرة الذان يفرقان بين الأحبة ويباعدان بين الإخوة ويفسدان القلوب.. إنه الحسد الذي أكل منهم القلوب والغيرة التي أفسدت فيهم النفوس فخفيت فطرة الخير وقويت نزعة الشر عندهم إنهم إخوته الذين يفترض فيهم أن يعملوا على مساعدته والعناية به بل والدفاع عنه وتخليصه من كل مكروه لا أن يكيدوا له ويحيكوا المؤامرات ضده وذلك حتى يتخلصوا منه ويخل لهم وجه أبيهم.. توهموا.. فحسدوا.. فخططوا.. إنهم توهموا أن يعقوب على نبينا وعليه السلام كان يمايز بينهم وبين يوسف وأخيه ويفضلهما عليهم وكأنهم خافوا على مكانهم ومكانتهم فقالوا كما بين القرآن نجواهم: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَال مُبِين ). وهم في حكمِهم هذا يظنُّون أنَّ الحقَّ بجانبِهم فهم الأَولى بالتَّفضيل لأنهم - ولسبب بسيط - يشكِّلون عصبةً وجماعة بخلافِ يوسف وأخيه وعلى هذا الأساسِ بدت العَلاقةُ بين الإخوة العشرة ويوسف مهدَّدة بالتفسخِ هذا إن لم تكن متفسخة في الأساس. وما أسرع أن يشد الشيطان أزرهم ويقوي الشر في نفوسهم! فبدأوا يكيدون ويخططون للتخلص من يوسف عليه وعلى نبينا السلام.. ويبدو أن الدافع كان قويا كما يظهر من البدائل (قتل يوسف طرحه أرضا إلقاؤه في الجب).. المهم أنهم يعملون على إزاحة يوسف وإحلال أنفسهم محله حسدا وغيرة ولا تهمّ الطريقة حتى ولو كانت إحلال المحرّم وهو القتل.. كرهوا حبَّ أبيهم له وأحبوا زواله عنه فغيَّبوه بعيدًا عنه في غيابة الجب ولقد سمّى الله فعلهم مكراً لأنهم تخفّوا في فعلهم المشين بحق أخيهم وأخاهم آمنٌ من أن يأتيهِ من قبل إخوته سوءاً أو أذىً.. فهؤلاء إخوته يأخذونه من حضن أبيه وأمه بأيد تتظاهر بالرحمة وفي قلوبهم نية القتل وجرمه ثم يضعونه بأيديهم في الجب ويتركونه وحيدًا يواجه مصيره في الكربة والغربة حتى أصبح هذا الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم بضاعة تباع وتشترى (وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ). سورة يوسف:19. هم أرادوا.. ولكن.. ومن ذا يصدق أن الذي ألقي في البئر طفلاً يصبح في يوم من الأيام ملكاً على مصر (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)؟. كم هو غريب أمر الإنسان! يظنُّ أنه قادرٌ بمكره أن يفعلَ كلَّ شيء وهو لعمري غير مستطيع أن يدفعَ ضرَّ ذبابة إذا ما قُدِّر وسلِّطتْ عليه يمكرُ ويمكر يفكِّرُ ويدبر وفي نهايةِ المطاف تدورُ عليه الدوائر ويكشف أنَّ سلطانَ الله هو القاهر. هم أرادوا أن يقتلوه... فلم يمت هم أرادوا أن يُمحى أثره.. فارتفع شأنه. ثم أرادوا بيعه ليكون عبدا... فأصبح ملكا.. ثم أرادوا أن يمحو محبته من قلب أبيه.. فازدادت.. لقد كان في خبره عليه السلام مع إخوته الأحد عشر الحاسدين له كما أخبر القرآن دلائلُ على قدرة الله في خلقه وعلاماتٌ بأن الله غالبٌ على أمره وعبرٌ وعظات لمن أراد أن يعتبر ويتعظ وأن الله لطيف لما يشاء. فقد أبعد عليه السلام ليصبح (عزيز مصر) وليلاقي والديه وليفرح حد الاكتفاء.. والقصة سيقت لتصوير الغيرة الشديدة التي تكون بين الأبناء للعظة والعبرة وهي تسلية لكل مظلوم وسرية لكل مغموم إذ يتذكر مقام الصالحين فيستيقن أن الابتلاء على قدر الإيمان واليقين. والقصة باقية كذلك تسرية لكل مسلم تنزل به فتنة أو تمر به ظروف وحالات تشابه حالة الصديق يوسف -عليه السلام. فالحسد من الآفات البشرية المقيتة التي تدل على دناءة وأنانية وخبث في النفس مما يجعل صاحبه يكره أن يرى غيره في نعمة. قد يحدث لك.. فقد يحدث لك يا صديقي ما حدث ليوسف من إخوته وإن لك فيه عبرة قد توجِد لك منزلتك أو رتبتك أو تفوقك بين إخوانك أو أقرانك أو أصدقائك في العمل مثل هذه الغيرة وتدفعهم هذه الغيرة إلى أن يحسدوك وهذا الحسد يدفعهم إلى البغضاء فيتتبعون مساوئك وعثراتك ويحاولون تشويه سمعتك وتحطيم شخصيتك ومن ثَمّ إزاحتك والتخلص منك وأيم الله ما ذلك إلا دليل على دناءة النية وسوء الطوية رحم الله القائل: كل عداوة قد ترجى إزالتها إلا عداوة من عاداك بالحسد. فتذكر قول الشيخ الشعراوي رحمه الله: (لا تقلق من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله معك هو تنفيذ إرادة الله) فما يجري لك مدرج تحت الخيرة وإن حزناً أصابك لن يدوم فعليك أن تتقي الله وتصبر وترضَ بما قسم الله لك تأتيك الدنيا راغمة.. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. واعلم أن في القصة يبرز الصبر سلاحًا يتكئ عليه المسلم في الشدائد والأزمات وهو صبر لا تسخُّط فيه ولا جزع: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ). يوسف:18.