يوم الرابع عشر جانفي 2011 تحوّل إلى يوم مفصلي في تاريخ تونس، فهو يوم هرب فيه الرئيس زين العابدين بن علي من الحكم بعد أن أدرك أن الهروب على طريقة اللصوص من بلد كان يحكمه خير له من التعرّض للشنق على رؤوس الأشهاد· وأُخرجت السيوف من أغمادها وصُوّبت الرّماح جميعها نحو رقبة الرئيس التونسي السابق والمخلوع والمنتهية ولايته قصرا واضطرارا زين العابدين بن علي، فسارع بعض رجال الجيش التونسي إلى صوره العملاقة المنصّبة في واجهات كثير من المؤسسات العمومية والخاصّة ليخلعوها فتدوسها الأقدام، وأسالت الأقلام التونسية ملايين اللترات من الحبر وهي تهلّل لرحيل الطاغية، وأقامت بعض الفضائيات التونسية مجالس فرح وهي تتحدّث عن عهد ما بعد الرئيس السابق بن علي، ولم تتأخّر في إلصاق صفة السابق ببن علي بعد دقائق من إعلان رحيله من تونس، وليس رحيله من الحكم، لأن خبراء القانون يقولون إن بن علي لم يتخلّ عن الحكم قانونيا مع أنه يكون قد فعل من الناحية السياسية· والحقيقة أن ما حصل كان منتظرا تماما منذ أن شرع البوليس التونسي في إطلاق الرصاص على المدنيين المحتجّين، ومنذ أن قرّر التونسيون عدم العودة إلى منازلهم قبل خلع بن علي، ومن الطبيعي أن يحتفل التوانسة بنهاية عهد رأوه مظلما جدّا وببداية عهد يأملون أن يكون مشرقا· ولا شكّ في أن ملايين التونسيين كانوا ينتظرون مثل هذه اللّحظات ل يفرغوا قلوبهم ويعبّروا عن مشاعرهم الحقيقية نحو رئيس يكفيه عارا أن يغادر الحكم وبلده بهذه الطريقة، ويكفيه خزيا أن يُرفض استقباله في دولة كان يعتقدها صديقة له· ولا شكّ في أن بن علي دفع في أيّام معدودات، بل في ساعات قليلة ثمن كثير من الآثام التي يؤكّد معارضوه أنها ارتكبها في حقّ تونس والشعب التونسي طيلة السنوات الكثيرة التي جلس خلالها على كرسيّ الحكم وفوق أعناق التونسيين، ثلاثة عقود يتمنّى الآن لو أنه قضاها فلاّحا أو بطّالا أو لم يقضها أصلا، وربما كانت أمنيته الكبيرة الأخيرة أن تنشقّ الأرض لتبلعه حتى لا يرى وجهه بعد الآن إنس ولا جان·