بقلم: سليمان الشيخ* تدليلا إلى ما ذهب إليه العنوان فإن الحكومة الإسرائيلية قررت في الأيام القليلة الماضية مصادرة 2342 دونما من الأراضي الفلسطينية الواقعة في منطقة أريحا والبحر الميت بحجج شتى وهذا هو دأب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948 وحجج هذه الحكومات قامت وتقوم على الدوام على أنها بحاجة إلى مزيد من الأراضي لبناء مستوطنات جديدة أو لإقامة معسكرات لجيشها وقوات أمنها او ميادين لتدريب هذه القوات أو لإقامة منشآت ومصالح ومصانع ومزارع حيوية لها ولمستعمراتها كما وإنها لم تتوان عن إيذاء وترويع سكان بعض القرى والمناطق الفلسطينية حين كانت تأمر السكان بمغادرة بيوتهم بحجة أنها ستقيم مناورة عسكرية في تلك المناطق ولم يمنعها أمن السكان وحياتهم من إجراء بعض تلك المناورات المستديمة ومتعددة الأغراض من إجرائها بالذخيرة الحية ما أودى بحياة بعض السكان وبعض ماشيتهم لتأخذ تلك الحكومات بالادعاء أنها ضد التمييز أو التفرقة أو ما شابه ذلك من الكلام الذي يحمل عكس ما تقوله وما تطبقه ولتدفع الفلسطيني ثمن ذلك من حياته وحياة ماشيته ومصادرة المزيد من أراضيه. وبالعودة إلى التاريخ البعيد الذي بدأ بالنكبة عام 1948 تظهر الوقائع أن المستعمرين الصهاينة لم يكونوا يملكون من أرض فلسطين في ذلك العام إلا نحو 7 من مساحة فلسطين الطبيعية كلها بحسب تقديرات الأممالمتحدة في تلك المرحلة وهذه المساحة جاءت أيام السلطتين العثمانية والبريطانية وشراء بعض أراضي أقلية من الإقطاعيين الذين لا علاقة لهم بفلسطين إلا بعلاقة المصلحة والربح. وتم بعد عام 1948 مصادرة أراضي جميع المدن والبلدات والقرى (عددها 530) من أراضي الفلسطينيين الذين تم طردهم من أملاكهم بالقوة الغاشمة وتم ارتكاب مجازر بحق بعضهم وتم تحويل تلك الأراضي إلى ما يسمى بلجنة (أملاك الغائبين) التي كانت (كريمة) جدا في منح السلطات الإسرائيلية ما تريده من الأراضي في كل آن وحين وحتى اليوم. حتى البلدة التي أزمعت الحكومة الإسرائيلية الحالية بهدف إيواء الزيادة السكانية من قرى وبلدات الدروز الفلسطينيين فإنها تزمع بناءها على أراض تم انتزاعها من قريتي حطين ونمرين المجاورتين لمدينة طبريا في حين إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة صادرت نحو 82 من أراضي المواطنين الفلسطينيين الدروز في منطقة الجليل وصادرت مسطحات واسعة من الأراضي تابعة لقراهم وبلداتهم تدريجيا على مر السنين ولم تسمح لأغلبيتهم ببناء بيوت على أملاكهم وأراضيهم الخاصة مما اضطر بعضهم وتحت ضغط الحاجة الماسة وازدياد عدد أفراد العائلة إلى بناء مساكن جديدة حيث أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها (بلا ترخيص) وهذا ما أنتج الحالة الفريدة التي يلاحق فيها المواطن الفلسطيني ويطلب منه ويا للغرابة أن يهدم البيت الذي بناه وإلا فإن جرافات السلطة الإسرائيلية ستهدمه وستغرمه أضعاف تكلفته. تاريخ مشتعل في 30/3/1976 اندلعت مواجهات عنيفة بين السلطات الإسرائيلية والمواطنين الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين على خلفية مصادرة سلطات الاحتلال نحو 1500 فدان من أراضي المنطقة التاسعة في الجليل وهي من أراضي الفلسطينيين الخاصة وقد نتج عن تلك الهبة الانتفاضية التي سادت وانتشرت في جميع الأراضي الفلسطينية أكان في الأراضي المحتلة عام 1948 أو في الأراضي التي تم احتلالها في العام 1967 (الضفة الغربيةوالقدسوغزة) العديد من الشهداء والجرحى والمعتقلين حيث جاء في الموسوعة الفلسطينية المجلد الثاني عن (يوم الأرض) التفصيلات التالية: (بدأت إسرائيل بمصادرة الأراضي في الجليل لإقامة مستعمرات جديدة ومعسكرات للجيش وأعلنت أنها ستنفذ خططا لاستملاك نحو 1500 فدان من الأرض في المنطقة التاسعة من الجليل عندئذ دعت (لجنة الدفاع عن الأراضي العربية) إلى اجتماع في مدينة الناصرة يوم 6/3/1976 حضره رؤساء المجالس البلدية المحلية وقرر المجتمعون إعلان يوم الثلاثين من مارس إضرابا عاما للعرب في إسرائيل احتجاجا على سياسة الحكومة بإعلان مصادرة أراض عربية في الجليل ولما دعا اجتماع الناصرة إلى الإضراب يوم الثلاثين من مارس كانت السلطات الإسرائيلية تدرك أن عرب الأرض المحتلة عام 1948 سيقومون بإضراب سلمي تعبيرا عن عدم رضاهم عن سياسة الحكومة الإسرائيلية في مصادرة الأراضي العربية ولكنها كانت تبيت لهم الشر فأرسلت ليلة 30/3/1976 قوات كبيرة من الشرطة والجيش تمركزت في مدن وقرى الجليل وشمل الإضراب عرب الأرض المحتلة عام 1948 وعرب الضفة الغربية وقطاع غزةوالقدس الذين هبوا لمؤازرة إخوانهم عرب الجليل وسارت تظاهرات صاخبة في القدس ونابلس ورام الله والخليل وبيت لحم وجنين وطولكرم وغزة وغيرها وقد نتج عن التظاهرات والاقتحامات العنيفة الإسرائيلية ضحايا وجرحى كثر كما وتم اعتقال عشرات المتظاهرين وسقط للمحتل عشرات الإصابات). وقد اعترف المحتل الإسرائيلي بهذه الأحداث وأشار إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة أكثر من مئة بجراح وتم اعتقال نحو 250 فلسطيني. وكانت أعمال المحتل الإسرائيلي سلسلة من الفظائع. وما تصرف جنوده بكل قسوة ووحشية سوى تأكيد على عنصرية النظام والدولة في الكيان الصهيوني الغاصب أما الانتفاضة في الجليل فجاءت لتؤكد للعالم كله رفض الاحتلال الإسرائيلي مهما مر عليه من الزمن. فيما أصبحت انتفاضة 30 مارس من كل عام عيدا وطنيا ثوريا يحتفل به الفلسطينيون باسم يوم الأرض. ولهذا لم ينقطع سيل الهبات والانتفاضات كون المحتل الإسرائيلي لم يكف ويتوقف عن مصادراته للأراضي الفلسطينية وقمعه للمنتفضين على سياساته وإجراءاته الاحتلالية وما زال يمعن في البطش والقمع والاعتقال والقتل تجاه كل ما يقوم به المنتفضون الفلسطينيون والهبة الانتفاضية الحالية هي من دلائل مواجهة المحتل والعمل من أجل الوصول إلى الحرية والتحرير.