" لقد انتهيت يا بن علي"!، هكذا قالها الجنرال "رشيد عمار"، الذي يعدُّ رجل تونس القوي الآن إلى الرئيس المخلوع الهارب زين العابدين بن علي، قبيل ايام قليلة من فراره من البلاد. الرئيس رفض كلمات الجنرال رشيد عمار، بل مضى أبعد من ذلك بإقالته ووضعه تحت الإقامة الجبرية، غير أن الجنرال لم يستسلم، وشاهدنا كيف أن دبابات الجيش حاصرت قصر قرطاج الرئاسي ولاحقت عائلة الرئيس المخلوع فاعتقلت أفرادها على الحدود والمطارات قبل فرارهم. ولكن من هو الجنرال رشيد عمار الذي انتصر لإرادة الشعب التونسي؟ سؤال ليس من السهل الإجابة عنه بالنسبة للعديد من المراقبين، وخاصة أن الرجل لا يحب الظهور كثيرا، وهو ملتزم بالدور الدستوري والتقليدي والوطني للجيش الوطني في حماية أراضي الوطن دون التدخل في السياسة. المعلومات القليلة عن الجنرال رشيد عمار (64 سنة) تقول إنه ينحدر من منطقة الساحل في الوسط التونسي، وتحديدا من مدينة صيادة، وعرفه العديد من التونسيين في الأيام الأخيرة من الثورة عندما تسربت معلومة تقول بأن هناك جنرالاً اسمه "رشيد عمار" رفض الانصياع لأوامر بن علي بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين منذ الأيام الأولى للاحتجاجات، وهو الذي أدى إلى إقالته من منصبه ووضعه تحت الإقامة الجبرية. كيف انتصر على بن علي هناك لغز كبير لا يوجد جواب واضح له إلى حد الآن في تونس، وهو كيف استطاع الجنرال رشيد عمار قائد جيش البر أن يقلب الطاولة على بن علي في الساعات الأخيرة قبل رحيله رغم وضعه تحت الإقامة الجبرية؟. سيناريوهات عديدة طُرحت في هذا المجال، فالعديد من المصادر تقول إن الجنرال رشيد عمار عاد بفضل الوزير الأول محمد الغنوشي، والذي قام بعد لحظات من هروب بن علي خارج البلاد عبر طائرته الخاصة باستدعاء الجنرال رشيد عمار، وعهد له بمهمة حفظ الأمن في البلاد عن طريق إعلان حالة الطوارئ وقيادة البلاد من خلف الستار، في الوقت الذي يسعى فيه الغنوشي للانتقال إلى الوضع الجديد وفق أسس دستورية. السيناريو الآخر الذي يرجح أن يكون الأقرب إلى الصحة في نظر المراقبين يتمثل في أن الجنرال رشيد عمار والذي وضع تحت الإقامة الجبرية في الأيام الأخيرة قبيل هروب بن علي، استطاع عن طريق نفوذه في المؤسسة العسكرية أن ينتصر في الساعات الأخيرة لرغبة الثورة الشعبية عن طريق التخلص من الإقامة الجبرية التي فرضت عليه وأن يقوم بتحريك قواته من أجل الاستجابة لرغبة الجماهير. ولا يستبعد المرجحون لهذا السيناريو أن الجنرال رشيد عمار لم يكن راضيا عن البيان الذي تلاه الوزير الأول محمد الغنوشي ليلة 14-15 يناير، والذي كان يقول فيه بأنه يعوِّض الرئيس بن علي بصفة وقتية طبقا للمادة 56 من الدستور، وهو ما كان يعني ضمنا أن غياب بن علي مؤقت واحتمال عودته قائم، ولذلك، وبعدها بأقل من 12 ساعة، خرج للإعلام رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع ليعلن أنه هو الرئيس بالنيابة طبقا للمادة 57 من الدستور التي تنص على ذلك في حال غياب الرئيس الدائم. وما يدعم هذا السيناريو ما تقوله العديد من المصادر من انه عشية يوم هروب بن علي في 14 يناير 2011، قامت قوات من الجيش بحصار للقصر الرئاسي ولمطار قرطاج، واستطاعت أن توقف هروب العديد من أفراد عائلة بن علي وزوجته ليلي الطرابلسي، وعندما دخلت قوات الامن العسكري قصر قرطاج تبين أن الرئيس غادره منذ ساعة تقريبا عبر طائرة مروحية إلى مطار قرطاج ومن المطار إلى جهة غير معلومة في ذلك الوقت. وقام الجيش التونسي طوال الأيام الاخيرة قبيل انتصار الثورة بالانتشار في العديد من المناطق الحساسة في المدن دون أن يتدخل من أجل فض المتظاهرين أو اطلاق النار نحوهم، وهو ما أعطى صورة إيجابية عن دور الجيش التونسي والتحامه بالشعب وبانتفاضته. وتتكون القوات العسكرية التونسية من حوالي 35 ألف جندي، وهو عدد متواضع مقارنة بالأعداد الضخمة من قوات الأمن الداخلي والقوات الخاصة التي أنشأها بن علي، والتي يقدرها المراقبون بحوالي 300 ألف عنصر، وهو ما يفسر الصعوبات التي يجدها الجيش في فرض الأمن أمام مليشيات النظام السابق التي يرجح تورطها في أعمال النهب والسلب التي شهدتها البلاد بعد هروب بن علي.