رغم الغموض الشديد الذي لازال يحفّ بالساعات الأخيرة التي سبقت سقوط نظام الرئيس التونسيّ زين العابدين بن علي الذي أطاحت به الجماهير بعد احتجاجات متواصلة ضدّ غلاء الأسعار وطريقة حكمه امتدت على شهر كامل، بدأت مصادر استخباراتيّة وإعلامية، تكشف النقاب عن تهاوي هذا النظام، الذي يبدو أنّ عوامل عدة تضافرت لتطيح به بتلك الطريقة التي شاهدها العالم أجمع. قدمت الاستخبارات الفرنسيّة أمس افتراضا عن كيفية انتهاء يوم الرابع عشر من جانفي أي يوم رحيل الرئيس التونسيّ وعائلته وسقوط نظامه. حيث كشفت مصادر إعلامية فرنسية في تقرير لها نقلا عن مصادر بالاستخبارات الفرنسية أنّ ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي فرّت من تونس باتجاه الإمارات وبحوزتها طنّا ونصف الطنّ من الذهب الخالص أي ما قيمته 45 ملون أورو . وقالت المصادر، أنّ فكرة الاستيلاء على سبائك الذهب، ظلت تخامر ليلى الطرابلسي مع بداية الاحتجاجات وامتدادها إلى مناطق خارج مدينة سيدي بوزيد. وتمكنت زوجة الرئيس المخلوع من سحب طٌن ونصف من الذهب من البنك المركزي التونسي الذي رفض مديره في البداية تنفيذ ذلك الطلب الصادر عن زوجة بن علي، لكنّ الرئيس تدخل شخصيّا مما جعل مدير البنك يرضخ لطلب ليلى الطرابلسي وفقا لتقرير ذات المصادر الإعلامية . بعد ذلك مباشرة، سافرت ليلى الطرابلسي إلى دبي حسب ما سرّبت الاستخبارات الفرنسية قبل أن تلحق بزوجها الهارب إلى جدة. ورغم أن الرئيس المخلوع بن علي كان القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية، فقد كانت للجنرال رشيد عمار البالغ من العمر 63 عاما الشجاعة الكافية لمعارضته عندما أمر الجيش بالتدخل لقمع المتظاهرين في القصرين وتالة وسيدي بوزيد، حيث حرق محمد البوعزيزي نفسه مطلقا شرارة ثورة الياسمين. ونقل عن عمار قوله "نعم لنشر الجنود حتى تهدأ الأوضاع، لكن الجيش لن يطلق الرصاص على الشعب"، وهو موقف كلفه الإقالة المباشرة وفرض الإقامة الجبرية ضده، غير أن محمد الغنوشي أعاده لمنصبه في 14 من الشهر الحالي للمشاركة بحكومة وحدة وطنية. وجنّب قرار عمار بلاده حماما من الدم، وظل وفيا لتقليد رسخه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بعدم التدخل في الشؤون السياسية للبلاد، غير أنه كان السبب الأول في رحيل بن علي. ولا يمكن التأكد من حقيقة موقف الرجل القوي في الجيش التونسي، وما إذا كان الجيش قد قرر الوقوف موقف الحياد، وإن بدت لذلك شواهد منها حماية بعض التشكيلات العسكرية للمتظاهرين في مدينة الرقاب في محافظة بوزيد، حيث أشهر بعض الجنود سلاحهم في وجه قوات مكافحة الشغب التابعة للداخلية التي حاولت إلقاء القبض على المتظاهرين. لم يكن زين العابدين بن علي يتوقع أن يطاح به بتلك السرعة، إذ ذكرت الاستخبارات الفرنسية، أنه قام بتسجيل خطاب جديد إلى الشعب التونسي قبيل الرحيل، لكنه لم يبثّ فقد تسارعت الأحداث ليجد نفسه على متن طائرة الفرار. وتقول مخابرات دول أوروبية إنّ بن علي لم يغادر البلاد طوعا ولكن تم خلعه من منصبه، وأنّ بداية النهاية كانت مع إقالته لرئيس الأركان في جيش البرّ التونسيّ الجنرال رشيد عمار الذي تحدى بن علي ورفض إطلاق النار على المتظاهرين. وكان زين العابدين طلب من الجيش التدخل لقمع الانتفاضة قبل أن تصل العاصمة تونس، لكنّ رئيس أركانه تعهد بإنزال الجيش للشارع لحماية الممتلكات العامة فقط، لكن ليس لإطلاق الرصاص على المحتجين، فاستشاط بن علي غضبا وقام بعزل الجنرال رشيد عمار ووضعه تحت الإقامة الجبرية إلى أن أعاده رئيس الوزراء محمد الغنوشي إلى منصبه بعد فرار بن علي إلى السعوديّة بمساعدة ليبية، كما تشير إلى ذلك تقارير استخباراتية.