عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان) متفق عليه(31). (الحلقوم): مجرى النفس. و(المريء): مجرى الطعام والشراب. هذا الحديث ساقه المؤلف رحمه الله في باب المبادرة إلى فعل الخيرات وعدم التردد في فعلها إذا أقبل عليها. فإن هذا الرجل سأل النبي أي الصدقة أفضل؟ وهو لا يريد أي الصدقة أفضل في نوعها ولا في كميتها وإنما يريد ما هو الوقت الذي تكون فيه الصدقة أفضل من غيرها فقال له: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح) يعني صحيح البدن شحيح النفس لأن الإنسان إذا كان صحيحاً كان شحيحاً بالمال لأنه يأمل البقاء ويخشى الفقر أما إذا كان مريضاً فإن الدنيا ترخص عنده ولا تساوي شيئاً فتهون عليه الصدقة. قال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل البقاء وتخشى الفقر) وفي رواية: (تخشى الفقر وتأمل الغنى) ولكن الرواية الأولى أحسن وقوله: (تأمل البقاء) يعني: أنك لكونك صحيحاً تأمل البقاء وطول الحياة لأن الإنسان الصحيح يستبعد الموت وإن كان الموت قد يفجأ الإنسان بخلاف المريض فإنه يتقارب الموت. وقوله: (وتخشى الفقر) يعني: لطول حياتك فإن الإنسان يخشى الفقر إذا طالت به الحياة لأن ما عنده ينفد فهذا أفضل ما يكون أن تتصدق في حال صحتك وشحك. (ولا تهمل) أي لا تترك الصدقة (حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا) يعني لا تمهل وتؤخر الصدقة حتى إذا جاءك الموت وبلغت روحك حلقومك وعرفت أنك خارج من الدنيا (قلت: لفلان كذا) يعني صدقة (ولفلان كذا) يعني صدقة (وقد كان لفلان) أي قد كان المال لغيرك (لفلان): يعني للذي يرثك. فإن الإنسان إذا مات انتقل ملكه ولم يبق له شيء من المال. ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يبادر بالصدقة قبل أن يأتيه الموت وأنه إذا تصدق في حال حضور الأجل كان ذلك أقل فضلاً مما لو تصدق وهو صحيح شحيح. وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا تكلم في سياق الموت فإنه يعتبر كلامه إذا لم يذهل فإن أذهل حتى صار لا يشعر بما يقول فإنه لا عبرة بكلامه لقوله: (حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان: كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان). وفيه دليل على أن الروح تخرج من أسفل البدن تصعد حتى تصل إلى أعلى البدن ثم تقبض من هناك ولهذا قال: (حتى إذا بلغت الحلقوم) وهذا كقوله تعالى: (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذ تَنْظُرُونَ) (الواقعة:83-84) فأول ما يموت من الإنسان أسفله تخرج الروح بأن تصعد في البدن إلى أن تصل إلى الحلقوم ثم يقبضها ملك الموت نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالخير والسعادة. والله الموفق.