الهداية منحة من الكريم لا تسدى لكل أحد وسنة الله في هذه الحياة ابتلاء من تمسك بهذا الدين لتمحيص الصادق في الاستقامة قال تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 3] ورسل الله سَخِر أقوامهم منهم قال تعالى عن قوم نوح: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) [هود: 38] وأخبر جلَّ وعلا أن كل رسول يُبعث يُبهت بالسحر ويُرمى بالجنون سخرية منه قال تعالى: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُول إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات: 52] والصحابة سَخر منهم قال سبحانه: (وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) [المطففين: 30-31]. فالسخرية سنة جارية فمن استهزأ باستقامتك أو إرخاء لحيتك أو لُبس السُّنة في ملبسك فلا تحزن فإن دافعه الهوى أو الجهل والساخر في عمق نفسه يتمنى الهداية ولكنه لا يملكها قال سبحانه عن أهل الضلالة: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر: 2] بل ويعلم أن الحق هو ما سلكته قال سبحانه: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 14] ومن سخر بك فالزم ما لزمه الأنبياء من الصبر والعفو والحلم والأناة والإعراض عمن آذاك قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَار بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) [الأحقاف: 35]. وقال جل وعلا: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ) [البقرة: 109] فأمر الله بالعفو والصفح وقال جلَّ وعلا: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199] وإذا سخر بك فافرح فتلك بشرى صدق استقامتك ورفعة لك فقد رُميت بأعلى المراتب فالزم الصبر ولا تحبط العمل بالجزع أو الهلع على تمسكك بهذا الدين.