بقلم: مراد بولعراف * في الفاتح من شهر مارس 2016 صرح السيد الطاهر خاوة وزير العلاقات مع البرلمان آنذاك في حوار مع قناة الإذاعة الثالثة أن الدستور الجديد تضمن حكما جديدا يهدف إلى فرض عقوبات على النواب المتغيبين. وبالفعل فقد جاء في المادة 116 من الدستور: (يتفرغ النائب أو عضو مجلس الأمة كليا لممارسة عهدته). ينص النظامان الداخليان للمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على أحكام تتعلق بوجوب المشاركة الفعلية لأعضائهما في أشغال اللجان وفي الجلسات العامة تحت طائلة العقوبات المطبقة في حالة الغياب. تجدر الإشارة إلى أن روح هذا البند الدستوري الجديد موجود في القانون رقم 01/01 المتعلق بعضو البرلمان الذي ينص في مادته الثالثة الفقرة الثانية على أن يوضع عضو البرلمان في حالة انتداب قانوني ويتفرغ كليا للمهام التشريعية والرقابية. أضف إلى ذلك أن النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني نص في مادته 64 يتعين على النائب المشاركة في جلسات المجلس الشعبي الوطني وفي أشغال اللجنة التي ينتمي إليها توجه طلبات الغياب عن جلسات المجلس الشعبي الوطني للرئيس وتكون معللة. من جهة أخرى ينص الدستور في مادته 115 على أن واجب البرلمان أن يبقى وفيا لثقة الشعب ويظل يتحسس تطلعاته. كما أن المادة 122 من نفس الدستور تحدد أن مهمة النائب وطنية. انطلاقا من هذه المبادىء الدستورية فصل المشرع في القانون رقم 01/01 المتعلق بعضو البرلمان مسألة الوفاء لثقة الشعب والتحسس الدائم لتطلعاته حيث أشار في ذات القانون إلى أن عضو البرلمان يسهر على تبليغ وإيصال انشغالات المواطنين إلى الهيئات المعنية والدفاع عنها. كما أن عضو البرلمان يتابع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستوى المحلي والوطني. في هذا السياق أكد القانون رقم 01/01 الذي صادق عليه البرلمان أن عضو البرلمان يشارك في النشاطات والتظاهرات الرسمية وفي الزيارات العملية والإعلامية التي تنظم لهذا الغرض. غير أن المجلس الدستوري اعتبر أن المشرع لم يحترم مبدأ الفصل بين السلطات وبالتالي صرح بعدم دستورية هذه الأحكام. فعلى ضوء المواد السابق ذكرها يلزم النواب بالمشاركة في الأشغال والتفرغ لممارسة مهام عهدتهم. فلماذا تمت دسترة إلزامية حضور النواب وإلا تعرضوا لعقوبات؟ هل الهدف هو منحها وزنا أكبر وردعا أعظم؟ أعتقد أنه كان من واجب المجلس أن يقرر في نظامه الداخلي العقوبات المطبقة على النواب المتغيبين. لكن لماذا يتغيب النواب عن أشغال المجلس؟ سأحاول سرد الأسباب التي أراها تدفع بالنواب إلى التغيب في ما يلي: أولا: دور ومسؤولية المجموعات البرلمانية: في بداية كل فترة تشريعية تقوم الأحزاب الممثلة بالمجلس والتي تستجيب للشروط المنصوص عليها في النظام الداخلي بتشكيل مجموعات برلمانية. فالمجموعة البرلمانية هي جهاز يدافع عن مشروع الحزب داخل المجلس وتتولى مهمة تسيير نوابها وتوجيههم من حيث الموقف المخصص للنصوص التي تناقش أو تعتمد. كما للمجموعة واجب الإشراف والموافقة على كافة المبادرات البرلمانية التي يتخذها أعضاؤها. تلكم هي نظريا الصلاحيات أو المهام المسندة لرئيس المجموعة المعين من قيادة حزبه. لذا فإن رئيس المجموعة له مهمة تجنيد أعضاء مجموعته وتحسيسهم وتشجيعهم على الحضور وعلى المشاركة في النقاش والمبادرة باقتراح التعديلات والقوانين ومبادرات الرقابة طبقا للدستور وللنصوص التي تسير المجلس. لكن هذه المجموعات في الواقع لا تقوم بهذا الدور في تعبئة وتحسيس نوابها باستثناء ثلاث مجموعات على الأكثر. على المجموعة أن تجتمع قبل الجلسة العامة لدراسة النص القانوني وتبادل الآراء وتوجيه المداخلات وفقا للبرنامج السياسي للحزب فمن المفروض أن تتم المداخلات باسم المجموعة التي ينتمي إليها النائب إلا أن الواقع غير ذلك حيث نجد أن عددا من نواب بعض المجموعات يسجلون أنفسهم للتدخل في النقاش دون استشارة رؤسائهم الشيء الذي أدى في العديد من المرات إلى كشف انعدام الانسجام داخل المجموعة. ومن المؤسف جدا أننا نرى هذه المجموعات البرلمانية وكأنها مهمشة لا يقوم المسؤول الأول عن المجلس ولا المكتب باستشارتها بخصوص سير الجلسات واللجان الدائمة. فإذا كان المجلس قد تم تسييره بطريقة محكمة وسليمة في الفترات التشريعية السابقة فإن الفضل في ذلك يعود للسادة الرؤساء الذين تعاقبوا عليه وأحسنوا الإشراف عليه بإشراكهم المجموعات البرلمانية واستشارتهم لها والعمل بما نص عليه النظام الداخلي للمجلس. ثانيا: برمجة الجلسات العامة: ينص النظام الداخلي للمجلس على أن تاريخ الجلسة وجدول أعمالها يبلغان للنواب وللحكومة سبعة (7) أيام على الأقل قبل الجلسة المعنية. كما ينص نفس النظام في المادة 49 على أن هيئة الرؤساء تكلف كذلك بضبط رزنامة جلسات المجلس وهذه الهيئة تتشكل من أعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة فهي معنية بتحديد الجلسات لكون اللجان الدائمة تدرس المشاريع القانونية المعروضة عليها وبالتالي فإن رؤساء اللجان هم الذين لهم قدرة تأكيد تواريخ الانتهاء من الدراسة وإعداد التقارير من أجل عرضها على الجلسة العامة. هذا هو النهج الذي سار عليه المجلس في الفترات التشريعية السابقة عكس الفترة التشريعية الحالية التي لم تجتمع فيها هيئة الرؤساء سوى ثلاث مرات على الأكثر. فالمكتب هو من كان يقرر لوحده رزنامة الجلسات كما أن المسؤول الأول عن المجلس قام باستدعاء النواب مرتين أو ثلاثة مرات لعقد جلسات حدد تاريخها باليوم الموالي ليوم الاستدعاء دون مراعاة الآجال التي نص عليها النظام الداخلي. إن مثل هذه الوضعية تؤدي لا محالة إلى نسبة كبيرة من الغيابات علما أن النواب لا يقيمون جميعهم في العاصمة وأن وسائل النقل في بلادنا لا تسمح لهم بالالتحاق بالعاصمة في وقت قصير. أما السبب الثاني لظاهرة التغيب فإنه يتمثل حسب رأيي في عدم تحديد أيام معلومة لعقد الجلسات العامة ففي العديد من المجالس النيابية نجد أن أيام الجلسات محددة بموجب النصوص التي تحكمها. ففي فرنسا وفي كينيا يجتمع المجلس أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس. وعليه وباعتبار أن نوابنا لا يتوفرون على برنامج للجلسات يمتد لفترة زمنية طويلة وفي غياب تحديد معلوم للجلسات فإنهم يتفرغون لنشاطات حزبية أو سياسية علما أن القانون ألزمهم بفتح مداومات لاستقبال المواطنين والتحسس لانشغالاتهم. فمهمة النواب لا تقتصر إذن على التشريع ورقابة عمل الحكومة فقط. ثالثا: مكانة ودور المجلس والنائب: لقد منح الدستور للنائب مهمة وطنية وألزمه بأن يتحسس لانشغالات المواطنين الشيء الذي جعل النائب الملتزم يرى في ذلك فرصة لأداء واجب نبيل هو خدمة الشعب والبلد وهو كله يقين أن صفة النائب ستسمح له بأن يساهم بقسط كبير في التكفل بإنشغالات المواطنين ومساعدة السلطة التنفيذية في إيجاد الحلول لها. لكن في الواقع وجد النائب نفسه في مجلس لا سلطة له ولا وزن له في المجتمع بالرغم من الصلاحيات الواسعة المقررة له دستوريا والسبب هنا في ضعف المجلس يكمن في تشكيلته التي رضت أغلبيتها بعدم تحمل المسؤولية وممارسة صلاحياتها الدستورية. هذا الوضع حطّم عزيمة هؤلاء النواب الملتزمين ودفع بعدد منهم إلى عدم إيلاء الأهمية للمؤسسة التشريعية وفضلوا الابتعاد عن الأشغال هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن عدم الاستجابة لمبادرات النواب سواء كانت في شكل تعديلات أو اقتراح قوانين أو استجوابات أو لوائح لإنشاء لجان تحقيق التي تنبع في غالبيتها من المعارضة لم يكن ليشجع على الحضور وعلى المشاركة في الأشغال. وعلى صعيد آخر يتساءل النائب عن دوره ومكانته في دائرته الانتخابية حيث حرمه المجلس الدستوري في رأيه الصادر بخصوص قانون عضو البرلمان من الاطلاع على المشاريع الجاري إنجازها ومتابعة تطور الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وحتى من المشاركة في الزيارات الميدانية لأعضاء الحكومة في ولايته. هذا أمر قزم من دور النائب الذي وجد نفسه في وضع لا يمكنه من مقابلة ناخبيه لأنه لم يمّكن من أداء واجبه وإنجاز ما وعد به. وأمام هذا الوضع أصبح النائب الملتزم يتساءل عن الفائدة من بذل الجهد والعطاء وحضور الأشغال. أعتقد أن هذه هي الأسباب التي تبرر ظاهرة التغيب في المجلس الشعبي الوطني علما بأنني لا أرى التغيب هو مشكل المجلس حاليا ولا أرى فائدة من امتلاء قاعة الجلسات بالنواب ولا نجد من يساهم في العمل التشريعي ويقدم القيمة المضافة المنتظرة منه. المشكل في المجلس يتمثل في نوعية المساهمة وليس في كمية الحضور فعلى سبيل المثال نجد عددا كبيرا من النواب يتدخلون أثناء مناقشة خطة عمل الحكومة أو بيان السياسة العامة ومداخلاتهم تتشابه في غالبيتها. فلماذا لا نترك المجال للمجموعات البرلمانية وتحميلها مسؤولية المساهمة القيّمة في الأشغال؟ لماذا لا يحدد مكتب المجلس بالتشاور مع المجموعات البرلمانية وقتا محددا لمناقشة النصوص وتوزيعه على المجموعات بما يتناسب وتمثيلها في المجلس؟ إننا نشاهد في العديد من المجالس النيابية عبر العالم حضور عدد قليل من النواب يتدخلون ويناقشون باسم المجموعات ويعبرون عن موقفها من النص المعروض. المجلس بحاجة إلى عدد كبير من النواب في جلسات التصويت لتفادي انعدام النصاب وما ينجر عن ذلك من تأخر في مسار القانون وحتى في أشغال الغرفة الثانية كما حصل يوم الخميس 23 جوان 2016 حيث انعدم النصاب وتأجل التصويت بثلاثة أيام وهذا ما يخالف صراحة نص المادة 58 من النظام الداخلي للمجلس التي تشترط أن تعقد الجلسة بعد ست (6) ساعات على الأقل و اثنتي عشرة (12) ساعة على الأكثر. * موظف سابق بالمجلس الشعبي الوطني