الله عز وجل من أسمائه الحسنى أنه ستار وقد يظهر الله محاسنك ويستر عن الناس عيوبك والمؤمن الصادق له من هذا الاسم نصيب المؤمن الصادق ليس فضاحاً بل يستر على الناس عيوبهم وأخطائهم وهو ما يفتح لهم بابًا للتوبة دون أن ينظر لهم الناس نظرة دونية. وقد وجهنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا الأمر في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. والستر هو إخفاء ما يظهر من زلات الناس وعيوبهم وهذا ليس معناه الرضا والقبول مما يُفعل من الفواحش والآثام إنمّا معناه عدم الفضيحة ونشر الخبر بين الناس ليكون هناك فرصة لهذا العاص أن يرجع إلى الله ويتوب وكذلك لعدم نشر الفاحشة وأمور السوء في المجتمع. وتحكي لنا السيرة الشريفة ما وقع من أحد الصحابة الكرام وهو ماعز بن مالك الأسلمي أحدُ الأصحاب الأخيار زين له الشيطان الوقوع في الزنا فتاب توبة نصوحا واحترق قلبه وجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقيم عليه الحد وهنا قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ارجع أربع مرات ليستر على نفسه ولكنه ألح في الاعتراف فأقيم عليه الحد واستغفر له النبي ودعا له. وقد حدث في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أن تقدم رجلًا رجل للزاوج من امرأة وكان لها سيرة مع رجل آخر إلا أنها تابت إلى الله وحسن حالها فما كان من أبوها إلا أن حكى مضيها للخاطب مما هو مستور فلما علم سيدنا عمر أرسل إلى الأب وعاتبه وقال له: لقد كشفتَ سِتراً سَتَرهُ الله لأنّ عُدتَ إلى هذا لأفعلنَّ بكَ شىء يكونُ عبرةً للناس. وقد شرع الإسلام حد القذف من أجل الستر حتى لا تصبح الأعراض عرضة للقيل والقال ولأجل الستر جعل الإسلام فشهود لإثبات جريمة الزنا صونًا للأعراض والحرمات ومن أجل الستر نهى الإسلام عن التجسس على الآخرين. إن من يطلب أن يستره الله يوم القيامة عليه ألا يفضح أحدًا ولا يفرح أبدًا بفضيحة أحد ولا يسعى إلى ذلك بأي طريقة فباب التوبة مفتوح ولا نتدري لعل الله يتوب عليه فيبقى على من فضحه إثم نشر فضيحته. وكذا على المؤمن أن يستر نفسه ولا يجاهر بالذنب فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.