كثيرا ما نصادف في محطات الحافلات شجارات تحدث بين السائقين مع بعضهم البعض، أو بين قباض التذاكر حول الدور، وقد تصل هذه الشجارات إلى صراعات دامية، وتؤثر بشكل مباشر على المواطن، والذي يبقى ينتظر أن تنتهي لكي يستغل هذه الحافلة أو تلك، بل وحتى الكلوندستانات سنّوا قوانينهم الخاصّة، وصاروا يصطفون، في انتظار الزبائن، ويتصارعون من أجلهم· مصطفى مهدي قد يجد المواطن نفسه وهو يتجه إلى أحد الكلوندستانات، يحول بينهم حتى لايتصارعوا ولايتشاجروا، خاصّة إن كانت هذه الصراعات دامية، وهو ما وقع لنا ونحن نتجه إلى أحدهم في المحطة، أو بالقرب من محطة بن عمار بالقبة، وكانت الساعة تقارب الحادية عشرة ليلا، وكنا السبب في اندلاع شجار، لم ينته إلاّ بتدخل الشرطة، والتي حملت الجميع لأنهم تشاجروا، ولأنّ دماء قد سالت، ولأنهم كلوندستانات يعملون خارج القانون، ولأننا شهود على ما وقع· كنا قد اتجهنا إلى السيارة الأولى في الطابور، ورحنا نتفق مع صاحبها على السعر الذي ندفعه له ليقلنا إلى شوفالي، لكن صديقه، أو زميله الذي كان ينتظر دوره، تدخل وقال إنّه أتى أولاً، فتبادل الاثنان مزاحا خفيفا، قبل أن يتحوّل الأمر إلى شجار ثقيل، علمنا منه أنّها ليست المرّة الأولى التي يقع بينهما صدام حول الدور، وأنّ أحدهم قد اعتاد على أن يستولي على مكان الآخر، وإنّ هذه الحادثة كانت القطرة التي أفاضت الكأس والتي جعلتهم يتصارعون، ويمسك أحدهم بمقبض حديدي كان يخفيه في سيارته، ربما ليحمي نفسه من الاعتداء، لكنه استعمله للاعتداء، ولينهال على زميله ضربا، لكن الآخر تمكن من الدفاع عن نفسه، ورد الضّربات، وتدخلنا وتدخل باقي الكلوندستانات الذين كانت لهم حسابات أخرى هم كذلك، فنصروا هذا على حساب الآخر، وهكذا تحولت إلى معركة جماعية، إلى أن تدخلت الشرطة فحملت الجميع· مثل هذه الحوادث ليست حالات منفردة، بل تحدث باستمرار، وتوّرط الزبون أحيانا، وأحيانا أخرى تجعله يضيع وقتا لابدّ أنّه ثمين، وهو الذي قصد الكلوندستان ليختصر الوقت، فيصل إلى بيته أو عمله أو شغله في أسرع وقت ممكن، كلّ تلك الدقائق التي كان ينوي ربحها تذهب في تلك الشجارات التي لا يستطيع تفاديها، بل قد يدخل فيها· يقول لنا بعض المواطنين الذين التقيناهم في محطة بازيتا والتي بها حافلات، ولكن المواطنين يلجؤون أحيانا إلى الكلوندستانات الذين يصطّفون بمحاذاة مستشفى مايو بباب الواد، يصف لنا إسماعيل هؤلاء الكلوندستانات يقول عنهم مايتعاشروش ويشرح لنا ذلك فيضيف: "إنهم يعبدون الدينار، ولايعرفون سواه، حتى أن بعضهم مع الوقت فقد حياءه، واحتشامه، وصار لا يتوانى عن الصراخ وخلق الشجارات مقابل دنانير معدودات، حتى أنني حضرت مرة إلى اثنين كانا يتصارعان حول الدور، فاقترح أحدهما على الآخر أن يعطيه 50 دينارا ويترك له المكان، أي أنّه أحدث فوضى كبيرة مقابل 50 دينارا فقط! وإنّ هذا لأمر مخجل للغاية، والأكثر غرابة منه أنّ الآخر لم يقبل، بل فضل أن يواصل الصراع، حتى يستولي على المكان دون أن يدفع خمسين دينارا· رفيق من جهته أخبرنا أن هؤلاء الكلوندستانات أنواع فوصف بعضهم ب (أولاد الفاميليا)، ووصف آخرين بأنهم جشعون لايبحثون إلاّ عن مصالحهم ويقول رفيق: "وأنت تعلم أن (وليد الفاميليا) لا يلتقي أبداً مع (وليد الحرام)، فالثاني يحاول استغلال الأوّل بكل الطرق الممكنة، حتى لو كلفه ذلك، ليس صراعا فقط، بل تعد وتجريح، وكل ما من شأنه الإنقاض من قيمته، وسلبه حقه"· أمّا سمير "الكلوندستان" فقال: "إنّ ضرورة الاحتكاك بزملاء العمل عادة ما تخلق مشاكل خاصّّة وأنه لايوجد قانون ينظمهم، بل لابدّ أن ينظموا أنفسهم بأنفسهم، وهو الأمر الذي قد يخلق شجارات"، ويحكي لنا عن حادثة وقعت له مع زميل له يقول: "في مرّة من المرّات جاء زميلي زبون متجه إلى عين بنيان فأخذه، ثم كان دوري فنقلت مواطنا إلى فرونكو وهي أقرب، ثم عدت، لكن عندما عاد زميلي قال إنّه الأحق بالدور، رغم أنني وصلت قبله، وتشاجرنا من أجل هذا، ولم أكن لأفعل لولا أنني أعلم علم اليقين أنني إن وافقت على ذلك، فإنّه سيكرر ذلك مرات أخرى"·