تنتشر عبر الكثير من الأحياء الفوضوية بالعاصمة عادة تربية الحيوانات الأليفة من الأغنام والماعز والدجاج والأرانب وغيرها، لذلك فلا غرابة لمن يدخل إحدى هذه الأحياء أن يتفاجئ بقطعان من الماشية والدواجن تسابقه بين تلك البيوت، حيث يخصص لها مكان ملحق بتلك المنازل تبيت فيه ليلا، أما ساعات النهار فإنها تقضيها في الرعي، طبعا ليس في المساحات الخضراء والحشائش الطرية والأشجار وارفة الظلال والأغصان والأوراق، وإنما في»القمامة«، هي مشاهد تتكرر يوميا، وعشرات من رؤوس الأغنام من الكباش والخرفان والماعز والجديان تتهافت على أكياس القمامة والمساحات التي يخصصها سكان هذه الأحياء لإلقاء نفاياتهم التي تتراكم يوما بعد يوم، تتجه إليها مباشرة كلما أطلقها أصحابها للرعي، وكأنها متجهة إلى إحدى المروج الخضراء في مشهد مقزز، يبعث إلى التساؤل عن مدى صحة وسلامة لحوم تلك الماشية للاستهلاك الآدمي وهي التي تستهلك بشكل يومي كافة أنواع الفضلات التي يلقيها الإنسان مع كل ما يتجمع عليها وما يمر عليها من جرذان وحشرات، حيث تعتبر القمامة مرتعها الأول والمفضل وقد تموت وتتحلل فيها، بالإضافة إلى إمكانية اختلاطها بفضلات القطط والكلاب التي تظل متواجدة بين أكياس الزبالة وتعبث بها ليل نهار، وقد تختلط أيضا بمواد أخرى ضارة بالصحة، أو حتى بأجزاء من حيوانات نافقة يكثر وجودها في مكبات القمامة، مع كل ما يتراكم عليها من بكتيريا وميكروبات مسببة لمختلف الأمراض الخطرة التي يسهل بعد ذاك انتقالها من الحيوان إلى الإنسان. ولا يجد مالكو تلك الرؤوس من الماشية أي حرج في دفعها إلى أكياس القمامة لتقتات منها بشكل يومي تقريبا، حول نظامها الغذائي من الشكل النباتي إلى الشكل المتنوع، فهي تأكل كل ما تجده في طريقها حتى الأكياس البلاستيكية وبقايا الطعام المتعفن وقطع الخبز اليابس وكل ما يمكن تخيل وجوده أو عدم وجوده في مكبات النفايات، وتستمر على ذلك ساعات طويلة تبدأ أحيانا من الصباح الباكر وإلى غاية ساعات المساء، وغالبا ما يتركها أصحابها ترعى بمفردها، أو تحت حراسة بعض من أبنائهم الصغار، أما الأدهى من كل ذلك فهو أنهم يعرضونها في موسم عيد الأضحى وغيرها من المواسم الأخرى التي يكثر فيها الطلب على رؤوس الماشية كموسم الأعراس مثلا للبيع وللاستهلاك الإنساني، رغم أن الأخطار المترتبة عنها أكبر مما يمكن تصوره، لذلك يتحاشى عدد كبير من سكان هذه الأحياء اقتناءَها ويفضلون التوجه إلى أماكن أخرى بعيدة لاقتناء أغنامهم في أعياد الأضحى وغيرها من المناسبات، لأنهم يعرفون جيدا طبيعة الماشية التي يربيها جيرانهم. فإذا كانت بعض رؤوس الماشية التي يتم جلبها من مناطق رعوية معروفة بجودة كلأها والطعام المقدم لماشيتها، مصابة في بعض الأحيان بأمراض خطرة، فماذا يمكن القول عن بعض الأغنام التي تتغذى على القمامة وهي أكبر مكان يمكن أن تتواجد فيه كافة أنواع الفيروسات والميكروبات، وإن كان مرض الأكياس المائية الذي يصيب الماشية عادة ناتجا عن مخلفات الحيوانات الأخرى كالكلاب في الأماكن التي ترعى فيها هذه الأخيرة وهو مرض ينتقل بسهولة تامة بعد ذلك بمجرد استهلاك الإنسان للحوم تلك الأغنام، فماذا يمكن أن تنقل القمامة التي تستهلكها تلك الحيوانات إلى أجسادها، وماذا يمكن أن تنقل إلينا هذه الأخيرة بعد ذلك؟ يؤكد الكثير من البياطرة أن الماشية التي تتغذى على القمامة من الممكن جدا أن تنقل الكثير من الأمراض كالحمى المالطية والحمى القلاعية وأكثر من مائتي مرض من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان على رأسها الأكياس المائية والطاعون والجرب وغيرها من الأمراض الجلدية الأخرى التي تنتقل إلى الأطفال بسبب ملامستهم لتلك الحيوانات. وبصورة عامة تشير أغلب الدراسات إلى أن لحوم وألبان الماشية التي تتغذى على الفضلات تحمل أمراضا وفيروسات خطيرة قد تتسبب في الإصابة بالأورام في مرحلة لاحقة إذا لم تتمكن الأمعاء من التعامل معها بصورة جيدة، كما أنها تحمل بين أنسجتها ميكروبات وديداناً دقيقة جدا تتحول عند تخمرها بالمعدة إلى أمراض تدمر المعدة والقولون. ويقدم الخبراء نصيحة مهمة لمن يشتري رؤوس الأبقار والماشية حية سواء في عيد الأضحى أو غيره من المناسبات، حيث يتوجب تغذية هذه الحيوانات بمعرفة مشتريها لمدة لا تقل عن 40 يوماً حتى يتم تنقية أنسجتها مما يعلق بها من ميكروبات أو فيروسات ولتكوين أنسجة سليمة خالية من الأمراض، أما الألبان فيجب غليها لمدة لا تقل عن 15 دقيقة قبل تناولها.