بقلم: ماهر أبو طير* لا سقوف أمام موسكو في تمددها الجديد في المنطقة إذ مقابل الإخلاء الأميركي للمنطقة يتمدد الروس من موقع إلى آخر. التمدد الروسي الجديد نحو ليبيا مثير للانتباه فهذا البلد الغارق في الصراعات والذي يعوم فوق كنز من النفط قد يصبح من حصص النفوذ الروسي خصوصا مع المعلومات عن بدء التدخل الروسي في ليبيا وإمداد الجيش الوطني الليبي الذي يتزعمه حفتر بالسلاح ووصول خبراء روس إلى ليبيا أمر غير عادي أبدا. تمدد يقترب من الأنموذج السوري ذاته من حيث دخول الروس إلى كل موقع خربه الأميركان أو تركوه ليخرب ضمن حساباتهم. من ناحية استخلاصية يبدو الأميركان بمثابة قوة عظمى تهدم دولا في المنطقة أو تتفرج على هدمها بحياد وسلبية فيما يستفيد الروس بكل بساطة من هذا الهدم وهي ذهنية المقاولة السياسية الروسية التي تعمد إلى التمدد في الدول الخربة وعلى أنقاض من فيها لاعتبارات استراتيجية قد لا تتكشف الآن تماما وموسكو تقدم نظرية سياسية جديدة تقول إن بإمكانك شراء بيت متهدم بأرخص الأثمان وتولي صيانته مقابل السكن فيه لاحقا. بعد النفوذ الروسي الفعلي في إيرانوتركياوسوريا تتمدد موسكو أيضا إلى مصر بشكل جزئي وغير محسوم المآلات وتتمدد اليوم إلى ليبيا. وسط هذا المشهد يهدد فرقاء في اليمن بالاستعانة بالروس لاعتبارات كثيرة ما يجعلنا أيضا أمام سيناريو محتمل وقريب للتواجد الروسي في اليمن ولو عبر وسطاء إن لم يكن مباشرة في البدايات. اللافت للانتباه ضعف أوروبا وانسحاب أميركا وهشاشة العرب وتشكل معسكر جديد في العالم على رأسه موسكو التي تتحالف فعليا مع دولة إقليمية شيعية مثل إيران وتتحالف مع دولة إقليمية مثل تركيا وتحاول الدخول إلى دولة عربية إقليمية مثل مصر وبرغم أن النجاح الروسي قد لا يكون مكتملا ومهددا بالمنافسة أو محاولات العرقلة إلا أننا بكل صراحة نشهد شكلا من أشكال الاستعمار الروسي الجديد للمنطقة التي باتت بلا أب حاليا ولا حاضنة عالمية خصوصا في ظل القراءات عن تراجع الدور الأميركي أو على الأقل عدم ميله إلى الصدام مع الروس إذا استطاعت الإدارة الأميركية المقبلة تنفيذ هذه السياسة. الروس مثل سمك القرش الذي ينجذب إلى رائحة الدم لكنهم هنا ينجذبون إلى ثلاثة عناصر الأول تغطية المساحات التي يتركها الأميركان والثاني مواجهة التنظيمات المتشددة في أي دولة تظهر فيها هذه التنظيمات والثالث متعلق بالثروات والنفط تحديدا. تمدد موسكو نحو ليبيا أيضا يكشف أن القصة اعمق بكثير من قصة الوجود الروسي في سوريا فهي قصة إحياء النفوذ السوفياتي بطريقة مختلفة والمؤكد أن هذا يعتمد على نظرية تقول إن العقد المقبل سيشهد تغيرات واسعة ولايمكن للروس أن يبقوا في موقع المتفرج على إعادة رسم العالم والإقليم). يحدث هذا في الوقت الذي يثبت فيه العالم العربي عدم قدرته أبدا على أن يقود نفسه فقد أثبت العرب تاريخيا أنهم بحاجة دوما إلى أمهات حاضنات وهذا الضعف التاريخي يتواصل من زمن إلى آخر.