بقلم: ماهر أبو طير* يبدو لافتا الموقف العربي عموما من تركيا خلال السنوات الخمس الفائتة فلا محاولات حقيقية لتثبيت تركيا في المعسكر العربي أو منع اختطافها أو انزلاقها لمعسكرات اخرى. هذا الأمر شاهدناه في محطتين الأولى دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين والربيع العربي في دول عربية عديدة مما ولد نفورا سياسيا شديدا من تركيا لكن في السياسة لاتقاس الأمور بردود الفعل ولم تحاول أي دولة عربية أو مجموعة دول عربية فتح ثغرة في الجدار مع الأتراك سواء لمنعهم من هذا الخط أو إقناعهم أن هذا يؤذي بعض الدول أو حتى يتضارب مع مصالحها وأمنها واستقرارها. فالدول العربية استسلمت للخط التركي ولم تحاول بأي شكل عميق الوصول إلى تسوية مع الأتراك في هذا الملف ولو من باب حفظ التوازنات أو التخفيف من حدة الموقف التركي. بل على العكس تم شن حملة سياسية ضد الأتراك على مستويات مختلفة وقد نفهم غضبة السوريين والمصريين باعتبارهما يتضرران بشكل مباشر من الخط التركي آنذاك لكننا لم نفهم موقف بقية الدول العربية. في فترة محدودة برزت مؤشرات جيدة على إعادة استقطاب تركيا كان أبرزها زيارة عاهل السعودية إلى تركيا التي استمرت ثلاثة أيام وهذه جاءت بعد فترة ليست سهلة وفي ظل الحسابات التي تتعلق بدور إيران وتمددها في المنطقة والزيارة ذاتها أقلقت دولا عربية أخرى تريد معاقبة الأتراك بزيادة الجفاء معهم وليس الانفتاح عليهم. قد نفهم إذاً أن العرب لم يكونوا قادرين على الانفتاح على تركيا خلال أوج سنين الربيع العربي من باب اعتبار أنقرة أنها سبب هذا الخراب أو ترعاه أو تموله أو تتحالف مع إحدى الدول العربية من أجل زيادة رقعة النار في هذه المنطقة. نقطة التحول التي تثبت أننا أمام عجز سياسي كبير تتعلق بالانقلاب الذي حدث في تركيا فقد كان بوابة انقلابية لتحسين العلاقات لكن المثير أن العرب عموما لم يكونوا قادرين على إخفاء شماتتهم بما حدث في تركيا والتصريحات العربية السياسية المنددة بالانقلاب مجرد حبر على ورق والأتراك لايشترون سمكا في بحر وكأن الانقلاب هنا وتقييماته أدت لمزيد من التدهور العربي التركي. آفة الآفات تلك التي نراها اليوم وذات الموقف العربي يتجدد برغم أنهم يدفعون الثمن كل مرة بشكل مختلف لكن هذه المرة يبدو الثمن مختلفا تماما وكبيرا جدا فالانفتاح التركي على روسياوإيران ودخول شمال سورية والاقتراب من هذا المعسكر يعني بكل بساطة أن الدولة التي كان من الممكن أن تشارك العرب في التوازن مع إيران في المنطقة اقتربت من المعسكر الآخر إن لم يكن انتظمت فيه والذي يحلل الموقف العربي يكتشف بكل بساطة عجزا غريبا فلا أحد يبذل أي جهد للانفتاح على تركيا ويتركونها لتذهب وتنام في حضن إيران وهي الدولة الإقليمية الكبيرة المسلمة السنية التي توازي الدولة الإقليمية الكبيرة المسلمة الشيعية. من غرائب العرب أنهم مازالوا يثقون بواشنطن التي خذلتهم ألف مرة وهم في عدم سعيهم لاسترداد تركيا للمنطقة بعد أن فترت قصة الربيع العربي يتطابقون مع موقف الأميركان الذين يريدون تحجيم تركيا ولايهمهم حتى لو تحالفت مع جهنم فالمهم تحجيمها ومانراه اليوم خسارة عربية كبيرة جدا أن يتم ترك تركيا ليتم الاستفراد بها من إيرانوروسيا وبقية عواصم هذا المعسكر. كان الأولى أن يركض العرب بعد الانقلاب ويصلحوا العلاقة مع الأتراك فقد كانت محطة مابعد الانقلاب فاصلة ومهمة وقابلة لإعادة التشكيل في العلاقة مع الأتراك وهذا مافهمه الروس حقا واستثمروا في اللحظة واستقبلوا أردوغان وأصلحوا العلاقات وهي ذات رغبات أردوغان الذي لم يجد أصلا أي بديل جاهز عن الروس لا الغرب ولا العرب فيما الفاتورة النهائية سوف تتنزل على أمن المنطقة العربية التي تجد دولها اليوم نفسها في مرحلة اللاتوازن فمن هو حليف العرب إذا كان الأتراك والإيرانيون والروس والغرب بمن فيهم الأميركان لديهم حساباتهم البعيدة تماما عن حسابات المنطقة. يبقى السؤال: إلى متى تبقى السياسة العربية تابعة أو متأثرة وفي أغلب الحالات تؤشر على ضعف البصيرة وعلى عدم القدرة على قراءة المستقبل؟!.