وجه المخرج الجزائري رشيد بوشارب صفعة قوية لفرنسا من خلال أحداث فيلمه »خارجون عن القانون« الذي أسال الكثير من الحبر إعلاميا وسياسيا لما يصوره من بشاعة مجازر 08 ماي 1945 وسياسة القمع والتقتيل التي انتهجتها لمحاربة مناضلي جبهة التحرير الوطني وإسكات صوت الحق، والذي اكتشفه العالم كله أمس بمناسبة عرضه في مهرجان كان السينمائي بفرنسا، وعرضه بالموازاة في الجزائر للإعلاميين بقاعة الموقار في العاصمة، بمبادرة تستحق الإشادة من وزارة الثقافة. الفيلم الضجة كما فضل تسميته الكثير من النقاد والسياسيين لما عرفه من جملة الانتقادات من نواب حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية في فرنسا الذين طالبوا إدارة مهرجان كان بمنع عرضه قبل أن يرى النور ونظموا أمس مسيرة سلمية لنفس الغرض، ضم سلسلة من الأحداث المأساوية التي عاشها الجزائريون إبان الثورة التحريرية وكانت مجازر08 ماي 1945 بسطيف الحقبة التاريخية التي انطلقت منها أحداث الفيلم، حيث صور المخرج رصاصات الغدر التي انطلقت من رشاشات جنود فرنسا وحتى من مسدسات المعمرين لتخترق صدور الآلاف من الجزائريين الذين خرجوا للاحتفال بفوز الحلفاء على ألمانيا وتذكير السلطات الفرنسية بوعودها التي قطعتها على نفسها بمنح الجزائريين حريتهم مباشرة بعد تحقيق النصر، غير أن تلك الفرحة تحولت في بضع دقائق إلى سيل جارف من الدماء ابتلع الأطفال والنساء والشيوخ لا لشيء سوى أنهم طالبوا بحقهم في الحرية التي تعد واحدة من شعارات فرنسا الاستعمارية، حيث ولدت تلك المجازر مأساة تشرد عائلة جزائرية بعد استشهاد الأب وبناته في تلك المجازر تبقى الأم التي جسدت دورها الممثلة الكبيرة »شافية بوذراع« رفقة أصغر أبنائها »سعيد« الفنان ذو الأصول المغربية »جمال بودبوز« الذي يقترح عليها السفر إلى فرنسا وبالتحديد إلى العاصمة الفرنسية باريس بحثا عن حياة أفضل بعد أن اقتنع أن خروج فرنسابالجزائر لن يكون بالأمر الهين وبالرغم من رفضها الشديد إلا أنه استطاع أن يقنعها على أمل أن تتمكن من لمّ شمل بقية أفراد الأسرة المقصود بهما شقيقيه »عبد القادر« و»مسعود« الأول اعتقل بأحد السجون الفرنسية بعد مشاركته في مظاهرات 08 ماي 1945 وحكم عليه بالسجن ثماني سنوات أما »مسعود« فقد تم تجنيده من طرف فرنسا للمشاركة في حرب الفيتنام أين فقد إحدى عينيه. لينتقل بعد ذلك المخرج إلى محيط جديد يصور لنا فيه حقبة تاريخية تعد تمهيدا لميلاد جبهة التحرير الوطنية ودوى صوتها عبر أنحاء العالم يصف لنا المخرج من خلالها معاناة عدد كبير من الجزائريين الذين دفعتهم ظروفهم الاجتماعية إلى السفر إلى فرنسا والاستقرار بها بحثا عن لقمة العيش، غير أنهم يجدون أنفسهم محاصرين بالعنصرية والتمييز لتنطلق بذلك أحداث درامية تروي حياة الأشقاء الثلاثة، لبّى اثنان منهما نداء الجبهة حيث عملا على دعمها ونشر أفكارها في المواقع التي تضم أعدادا كبيرة من الجزائريين كالمصانع والحانات والمطاعم وقد تولى عبد القادر منصب تنظيم فروع الجبهة بباريس، في حين كان شقيقه مسعود يلعب دور الجلاد حيث كان يقوم بتصفية جميع الخونة بناء على أوامر الجبهة، أما سعيد فقد فضل أن تكون حياته مختلفة تماما من خلال الاتجاه إلى التجارة بعد فتح حانة »القصبة« والعمل على تدريب الشباب على تعلم رياضة الفقراء الملاكمة ليجعل منهم أبطالا. "اليد الحمراء".. دليل على وحشية فرنسا واستمر الصراع قائما بين عناصر الجبهة وأجهزة الأمن الفرنسية التي تلقت عدة ضربات موجعة منها الهجوم على مركز الشرطة اغتيال الضابط الذي كان يتولى مهمة اعتقال الجزائريين وتعذيبهم في السجون، وهو ما جعل فرنسا تستنفر كل قوتها للرد على أسمته بالإرهاب حيث تم إنشاء منظمة اليد الحمراء السرية التي عملت على تنفيذ هجوم وحشي على الأحياء الفوضوية التي انتشلت مئات الجزائريين ليصور بذلك المخرج نوع آخر من الإرهاب الفرنسي إلى جانب محاولتها لاغتيال قادة الآفلان، وعدد كبير من الفرنسيين الذين تبنوا القضية الجزائرية وساهموا في دعم الثورة، حيث أراد المخرج بذلك أن يؤكد للعالم أن الفرنسيين أنفسهم كانوا رافضين لدموية سلطات بلدهم. القضاء على مسؤول التنظيم بالجبهة »عبد القادر« كان عقب مظاهرات 17 أكتوبر بباريس التي تم تنظيمها من طرف قيادات الجبهة بجنيف حيث حاول هذا الأخير أن ينقذ شقيقه سعيد الذي حكمت عليه الجبهة بالإعدام لأنه قدم بطله للمنافسة على بطولة فرنسا للملاكمة على أنه بطل فرنسي وليس جزائري وهو الذي كان من منظور الجبهة خيانة لا تغفر جعله يحاول إنقاذ شقيقه خاصة وأنه خسر شقيقه الأكبر مسعود بعد صفقة استيراد السلاح من ألمانيا التي أحبطتها منظمة اليد الحمراء بعد أن انتزعت اعتراف أحد المناضلين تحت طائلة التعذيب، غير أن مسؤول التنظيم فشل في الخروج من حشود المتظاهرين الذين طوقته قوات مكافحة الشغب أمام ميترو باريس وتم القضاء عليه. أما خاتمة الفيلم فقد ارتأى المخرج أن ينقل صور حقيقية عن أحداث 05 جويلية 1962 صور استقلال شعب وهب حياته فداء لوطنه، ليكون بذلك فيلم خارجون عن القانون الذي لم يعتمد في أحداثه على مراجع تاريخية إلا أنه انطلق من الواقع وفيه الكثير من المقاربة التاريخية التي جعلت الكثير من الأصوات التي تحن للاستعمار تحاول إعدامه قبل أن يرى النور لأنه يفضح وحشية فرنسا ويكشف الصراع الحقيقي بين شعب أراد الحرية ودفع من أجلها مليون ونصف شهيد وبين شعب اغتصب أرض وأراق دماء أصحابها طمعا في ثرواتها تحت قناع الحرية الأخوة والديمقراطية.