مجزرة إسين ومجازر أخرى لا نعرفها مجزرة ساقية سيدي يوسف.. وأخواتُها بقلم: فوزي حساينية* كلما حلّت ذكرى مجزرة ساقية سيدي يوسف الأليمة التي اقترفتها قوات العدوان الإستدماري الفرنسي في حقِ هذه القرية التونسية المسالمة والمحاذية للحدود الجزائرية كلّما عاودني التساؤل هل من أخوات غير معروفات لساقية سيدي يوسف؟ فإذا كانت مجزرة ساقية سيدي يوسف قد وقعت على الحدود التونسية الجزائرية أفلا يُمكنُ أن تكون أحداثٌ أخرى مشابهة لهذه المجزرة الفظيعة قد وقعت على الحدود الجزائرية المغربية أو الحدود الليبية الجزائرية؟ وظلِّ التساؤلُ يعاودني ويُلِّحُ عليَّ إلى أن وقع في يدي بالصدفة العدد رقم494 من مجلة الجندي المؤرخ في 02 فيفري 2013 وهي مجلة نصف شهرية تصدر عن مؤسسة المنشورات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الوطني وهذه المجلة على صِغرِ حجمها تتميز بتنوع مواضيعها وثراءِ معلوماتها وسهولة قراءتها واستيعابها وقد تضَّمن العدد المذكور مقالا بعنوان : في ذكرى مجزرة ساقية سيدي يوسف الثورة الجزائرية وامتدادها المغاربي بقلم رشيدة الجواني ومما جاء في هذا المقال ..كما عاود الاحتلال ارتكاب مجزرة أخرى بشنه هجوما عنيفا في 03 أكتوبر1957 على منطقة إسين في الحدود الجزائرية الليبية والتي امتزجت فيها كذلك دماء الشعبين الجزائري والليبي وفتحت من خلالها جبهة التحرير جبهة جديدة للقتال كما عبرت تلك الواقعة بصورة حية عن تضامن الأشقاء الليبيين مع القضية الجزائرية.. وتجنبا للإطالة أريدُ أن أقدم الملاحظات التالية : أولا: الكاتبة أفادتنا مشكورة بأن هناك مجزرة شبيهة بمجزرة ساقية سيدي يوسف وقعت بمنطقة إسين على الحدود الليبية الجزائرية لكنها لم تُقدم أيَّة معلومات أخرى مثل الظروف التي قادت قوات العدوان للقيام بهذا الهجوم وهل تمَّ ذلك على إثر معركة مع جيش التحرير الوطني وهل استخدم العدو سلاح الطيران كما كان الحال في سيدي يوسف وكم عدد الضحايا من الشعبين الشقيقين الليبي والجزائري وكم كانت خسائر العدو وهل كان الصدى الإعلامي الدولي لمجزرة إسين في مثل الأثر الذي خلفته مجزرة سيدي يوسف؟ وعُذر الكاتبة في عدم تقديمها لهذه التفاصيل قد يكون واضحا إذ أن مقالها مخصص لأحداث ساقية سيدي يوسف حصرا. ثانيا: لم تكن الكاتبة دقيقة في كيفية التعبير ذلك أنَّه وحسب المقال فإن مجزرة منطقة إسين كانت يوم 03 أكتوبر 1957 أي قبل مجزرة سيدي يوسف بأربعةِ أشهر وثمانية أيام لكن الكاتبة وبعد أن استعرضت وقائع مجزرة سيدي يوسف (08 فيفري 1958) كتبت تقول: كما عاود الاحتلال ارتكاب مجزرة أخرى بشنهِ هجوما عنيفا في 03 أكتوبر 1957 على منطقة إسين في الحدود الليبية الجزائرية.. وكان من المفروض أن يكون التعبير كما سبق لقوات الاحتلال ارتكاب مجزرة أخرى.. لأنَّ ما حدث في إسين بليبيا قد سبق زمنياً ما حدث في سيدي يوسف بتونس. ثالثا: إن وجود مجزرة إسين على الحدود الليبية الجزائرية يجعلنا نتساءل بكل جدية وحرص عن مدى إمكانية وجود مجازر شبيهة وقعت في مناطق حدودية أخرى ولم تنل حظها من التسجيل والاهتمام لسبب ما أو لظرف من الظروف وما يُعمقُ من مشروعيةِ هذا التساؤل ويعزز واقعيته أن قوات إستدمارية ضخمة كانت تعمل بإصرار وعناد على امتداد الحدود الجزائرية مع مختلف الدول المغاربية والإفريقية من أجل خنق الثورة أو قطع شرايينها وكانت المعارك والإصطدامات المسلحة على الحدود كثيرا ما تتكرر والمعروف أن الجيش الاستعماري الفرنسي كان يلجأ إلى القيام بعمليات انتقام بشعة من المدنيين بعد كل مواجهة مع جيش التحرير الوطني إذ تُؤكد المصادر المختلفة أن من بين الأسباب الرئيسة التي دفعت بالجيش الاستعماري إلى العدوان الجوي على قرية سيدي يوسف هو الانتقام من الكمين الناجح الذي نصبه جيش التحرير الوطني يوم11 جانفي1958 لقوات العدو الذي خسر اثنين وأربعين جنديا وأُسر له أربعة آخرون فما الذي نعرفه عن عمليات الانتقام الأخرى وعمَّا تكون قد خلفته هي أيضاً من ضحايا ومآسي؟. رابعا: في ساقية سيدي يوسف امتزجت الدماء التونسية الجزائرية وفي إسين امتزجت الدماء الجزائرية الليبية فمن يطلبُ برهاناً أعظم من هذا على وحدة الشعوب المغاربية ومن يجرؤُ بعد ذلك على تجاهل هذه الحقيقة أو تجاوزها؟ وأين هم المثقفون الوحدويون الذين يُكرسون حياتهم وجهودهم من أجل قضية القضايا أعني وحدة مغربنا العربي الأمازيغي الكبير؟. خامسا: في الذكرى58 لمجزرة ساقية سيدي يوسف نتساءل بحق لماذا _ برغم حديثنا الدائم عن التعاون الثقافي والأخوة والمصير الواحد- عجزنا كجزائريين وتونسيين عن تجسيد هذه المجزرة في فيلم سينمائي كبير يترجم نضالنا المشترك وكفاحنا من أجل التحرر والوحدة المغاربية وكيف سننقل تفاؤل التاريخ إلى المواطنين والأجيال الصاعدة؟ وهل سنكتفي في كل مرة بتكرارِ نفس المراسم وبنفس الروتينِ؟. وفي الأخير وبمناسبة حديثي عن مجلة الجندي أودُّ أن أشير إلى حقيقة هامة ومؤلمة والأهميةُ تتمثلُ في الدور الحيوي الذي نهضت به المجلات التي كانت تصدر عن بعض الوزارات في بلادنا كمجلة الثقافة (وزارة الثقافة) ومجلة الأصالة (وزارة الشؤون الدينية) ومجلة أول نوفمبر (وزارة المجاهدين) فهذه المجلات كانت ينابيع متدفقة بالثقافة والتاريخ والفكر في أوساط المواطنين لكنها توقفت كلها ومنذ سنوات عن الصدورِ! وهذا هو مصدر الألمِ فهل نستطيعُ أن نأمل بأن يُعيد وزراءُ القطاعاتِ المذكورةِ إصدارَ هذه المجلات؟ ولم لا؟ .