يحيي، اليوم، الشعبان الجزائريوالتونسي الذكرى ال52 لمذبحة ساقية سيدي يوسف التي اقترفها الاستعمار الفرنسي يوم 8 فيفري 1958 في حق أهالي هذه القرية الصغيرة على الحدود الجزائريةالتونسية. وإحياء هذه الذكرى الأليمة في تاريخ الشعبين في مثل هذا اليوم من كل سنة، بالالتقاء في مهرجان احتفالي على أرض الساقية، أو عبر إقامة نشاطات وتظاهرات مخلدة للذكرى في كل من الجزائروتونس، بهدف ايصال حقيقة تاريخية للأجيال عن النضال المشترك لشعبي البلدين، وصورة حية عن التضامن الجزائريالتونسي بحيث شكلت مذبحة ساقية سيدي يوسف رمزا من رموزه، لم تتمكن فرنسا الاستعمارية مدعومة بالقوة الأطلسية، من قهره والنيل منه. وقد حاولت فرنسا الاستعمارية ضرب هذا التضامن بين الشعبين الجزائريوالتونسي بارتكاب مجزرة شنعاء صبيحة 8 فيفري 1958 عندما صبت جام غضبها على سكان قرية ساقية سيدي يوسف الحدودية، واختارت لمذبحتها يوم السبت، الذي كان يوم عطلة وسوقا أسبوعية، لإبادة أكبر عدد من المدنيين العزل من دون سابق إنذار مفضلة منح عامل المفاجأة والوقت المناسب لطائراتها الخمس والعشرين من نوع (بي 26) لتقترف إبادة جماعية في أوساط السكان من التونسيينوالجزائريين. وكانت حصيلة هذا الهجوم العسكري الوحشي على هذه القرية الصغيرة الآمنة، استشهاد أكثر من 100 مواطن جزائري وتونسي منهم 20 طفلا و11 امرأة، فيما فاق عدد الجرحى 130، فضلا عن تحطيم منشآت وسكنات وعتاد تابع للصليب الأحمر الدولي. وهناك مراجع تاريخية أخرى، تحدثت عن سقوط 300 شهيد وقرابة 400 جريح، أما المصادر الفرنسية فلم تعترف إلا ب80 شهيدا و108 جرحى. وحاولت فرنسا الاستعمارية بعد ارتكابها لهذه المجزرة تبرير جريمتها في حق الشعبين الجزائريوالتونسي، بحق المتابعة والانتقام من ضربات جبهة وجيش التحرير الوطنيين اللذين اشتد ساعدهما ابتداء من سنة 1956 في أعقاب انعقاد مؤتمر الصومام بالرغم من إقامة الإدارة العسكرية الاستعمارية لخط موريس لسد منافذ الحدود الشرقية أمام الثورة. وتنقل المراجع التاريخية بشأن الأسباب المباشرة التي أدت بالاستعمار الفرنسي إلى ارتكاب مذبحة ساقية سيدي يوسف، الهجوم المفاجئ الذي قاده جيش التحرير الوطني في معركة "الواسطة" قرب الساقية يوم 11 جانفي 1958 والتي خاضها الفيلق الثالث ب300 مجاهد، ما أدى إلى مقتل 16 جنديا من صفوف العدو وأسر 4 آخرين، لتتخذ فرنسا من ذلك الهجوم البطولي ذريعة لملاحقة الثوار الجزائرين داخل التراب التونسي. أما عن الأسباب الحقيقية التي كانت وراء إقدام الإدارة الاستعمارية العليا بالجزائر تحت قيادة الجنرال روبيرلاكوست من دون استشارة الحكومة المركزية بباريس، فقد أكد المؤرخون والباحثون حول ظروف تنفيذ هذه المجزرة، أن هذه الأخيرة وقعت بعد سلسلة طويلة من الممارسات بدأت منذ استقلال تونس سنة 1956 للضغط على الحكومة التونسية لإخراج جبهة التحرير الوطني وجيشها من تونس التي كانت قاعدة خلفية لهما، بحيث تولدت لدى الإدارة العسكرية الاستعمارية بالجزائر لاسيما بعد معركة ديان بيان فو في الهند الصينية، أنه يصعب القضاء على الثورة الجزائرية دون القضاء على القاعدة الخلفية لها بتونس، وهو مالم تستطع القيام به باعتماد الضغوطات، فلجأت إلى هذه المذبحة التي لم تزد الجزائريينوالتونسيين إلا التحاما، حيث مكن التضامن الجزائريالتونسي سواء على الصعيد الشعبي أوفي ميدان العمليات العسكرية، من امتلاك الجزائر قاعدة خلفية وسبل عبور والاستفادة من دعم لوجيستيكي لثورتها. لكن تلاحم الشعبين وإيمانهما بوحدة المصير التي تقف وراءهما الروابط المتينة للأخوة والتضامن، حوّل النتائج المرجوة من تنفيذ فرنسا لجريمتها إلى نتائج عكسية، حيث عجلت المذبحة برحيل الحكومة الفرنسية الرابعة في 13 ماي 1958 بعد خلافها مع إدارتها العسكرية الاستعمارية في الجزائر، وتورطت فرنسا بذلك أمام المجتمع الدولي، وسمحت للرئيس التونسي بورقيبة بمطالبتها بإجلاء قواتها من تونس قبل أن يتم الاتفاق بعد ضغط أمريكي وبريطاني على فرنسا، على تجميعها في قاعدة بنزرت، وباءت بذلك محاولة إدارتها العسكرية بالجزائر مطاردة أفراد جبهة وجيش التحرير الوطنيين على كافة التراب التونسي من خلال عمليات تمشيط عسكرية بالفشل. إلى جانب ذلك، زادت مذبحة ساقية سيدي يوسف على عكس ماكانت تخطط له الإدارة الاستعمارية، في تعزيز التجانس بين القيادات السياسية المغاربية (بين الحزب الدستوري التونسي، جبهة التحرير الوطني وحزب الاستقلال المغربي)، وتكلل ذلك بانعقاد مؤتمر طنجة الذي أسس تاريخيا للاتحاد المغاربي ورسم تطلعات الشعب المغاربي، كما شهد هذا الظرف تأسيس الحكومة الجزائرية المؤقتة. لذلك، يجمع المؤرخون على أن مجزرة ساقية سيدي يوسف ستظل عبرة من عبر تلاحم شعوب المغرب العربي، وعلى الرغم من بشاعة المذبحة، إلا أنها أبانت تمسك الشعبين الجزائريوالتونسي، بالمصير المشترك، وستبقى شاهدة عبر التاريخ على امتزاج دم الشعبين الجزائريوالتونسي من أجل الحرية وتقرير المصير المشترك، وستظل شاهدة أيضا على أن الحواجز والحدود لم تفصل يوما بين الشعبين المتجاورين المسلمين في تونسوالجزائر.