لقد كان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من سلف هذا الأمة أروع الأمثال والمواقف التي بها يتجلى لك عِظمُ صبرهم وشدةُ حلمهم وقوةُ اقتدائهم بنبيهم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم فهذا رجل يشتم ابن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة وترجمان القرآن فصبر حتى قضى مقالته ثم قال: يا عكرمة أنظر هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى وأسمع رجل معاوية رضي الله عنه كلاماً شديداً فقيل له لو عاقبته ؟ فقال إني لأستحي أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي. وسأل أبو ذر رضي الله عنه غلامه عندما رأى الشاة تصيح ألماً فقال: من كسر رجل هذه الشاة ؟ فقال له الغلام أنا فعلته عمداً لأغيظك فتضربني فتأثم فقال لأغيظن من حرضك علي غيظي فأعتقه وشتم رجل عدي بن حاتم وهو ساكت فلما فرغ من مقالته قال: إن كان بقي عندك كلام فقل قبل أن يأتي رجال الحي لأنهم إن سمعوك تقول هذا في شيخهم لم يرضوا ودخل عمر بن عبد العزيز المسجد ذات ليلة والمكان فيه ظلمة فمر برجل فعثر به فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا فهم به الحرس فقال عمر: مه إنما سألني أمجنون أنت ؟ فقلت لا ولقي رجل علي بن الحسين رضي الله عنه فسبه فثار عليه العبيد فقال: مهلاً ثم أقبل علي الرجل فقال: ما سُتر عنك من أمرنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحي الرجل فألقي عليه قميصه الذي كان عليه وأمر له بألف درهم فكان الرجل يقول بعد ذلك أشهد أنك من أولاد رسول الله وقال رجل لوهب بن منبه رحمه الله إن فلاناً شتمك فقال وهب: وما وجد الشيطان بريداً غيرك ويقول عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله: قال أبي وجه إلى الواثق أن اجعل المعتصم في حل من ضربه إياي فقلت: ما خرجت من داره حتى جعلته في حل وذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقوم يوم القيامة إلا من عفا فعفوت عنه وأن الإنسان لابد له من خطأ وزلل وينبغي مقابلة ذلك بالعفو و إلا ما كان هناك شيء اسمه عفو يقول اليزيدي عندما أخطأ يعتذر للمأمون: أنا المذنب الخطاءُ والعفو واسعُ ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو ويروى أن بعض السلف جاء إلى أخيه فقال: غداً نتعاتب فقال له لا بل قل غداً نتغافر. ويقول جعفر بن محمد وكان والياً: لأن أندم على العفو أحب إلى من أن أندم على العقوبة وهذا ما يروى عن عيسى عليه السلام أنه قال: وتأمل لما قال يقول: لا يحزنك قول الناس فيك فإذا كان كاذباً كانت حسنة لم تعملها وإن كان صادقاً كانت سيئة عجلت عقوبتها أ.ه. ولا يكن أخي الغضب دائماً يعلوك وتذكر أخي ما يروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: الغضب أوله جنون وآخره ندم ولا يقوم الغضب بذل الاعتذار وربما كان العطب في الغضب أ.ه وقيل للشعبي: بأي شيء يكون سريع الغضب سريع الفيئة ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فقال: لأن الغضب كالنار فأسرعها اشتعالاً أسرعها خموداً.