أعادت الإهانة البليغة التي تعرض لها الروائي رشيد بوجدرة لدى نصب أحد مقالب برنامج للكاميرا الخفية إلى الواجهة الجدل بشأن مدى قانونية وشرعية هذا النوع من البرامج القائم على الترويع الذي يصل إلى حد "الإرهاب النفسي" أحيانا والاستفزاز، وفيما يتداول البعض فتوى تحرم بشكل صريح هذه النوعية من البرامج التلفزيونية، يلفت آخرون الانتباه إلى جوانب قانونية وإنسانية يمكن الإشارة إليها من خلال تتبع ومشاهدة بعض هذا "الكاميرات الخفية المخيفة".. ورصدت "أخبار اليوم" تجاوزات قانونية وإنسانية بالجملة في العديد من برامج الكاميرا الخفية التي تتسابق بعض القنوات الفضائية على إعدادها بمناسبة شهر رمضان الفضيل، ومنها على سبيل المثال: * كاميرا خفية تقوم فكرتها على تحويل مسار حافلة تابعة لمؤسسة "إيتوزا" العمومية، حيث يجد مستقلو الحافلة أنفسهم ذاهبين نحو وجهة غير التي كانوا ينوون الذهاب إليها، وتصوروا معنا موقف شخص مستعجل، ذاهب للعلاج، أو قاصد لسفر، أو لديه موعد مصيري.. دون الحديث عن استغلا وسائل الدولة هنا لغاية غير مشروعة، وهو أمر يُفترض أن القانون لا يسمح به.. طبعا ولا الأخلاق.. * برنامج كاميرا خفية يتخذ من بلدية واقعة في قلب الجزائر العاصمة مسرحا له، حيث يستغل وسائل البلدية ل"تزوير" شهادات ميلاد، من خلال إدراج اسم امرأة في شهادة ميلاد رجل، وإيهامه بأنها أصبحت زوجته "على الورق"، بهدف استفزازه.. وفي الأمر تعطيل واضح لمصالح المواطنين، واستغلال فاضح لوسائل الدولة، دون إغفال مسألة التزوير واستخدام المزور، ولو أنها من باب المزاح "الثقيل"، ناهيك عن إظهار بعض المشاركين في البرنامج دون أخذ الإذن منهم، علما أن كثيرا من الجزائريين يعارضون الظهور على شاشات التلفزيون أو إظهار زوجاتهم.. * برنامج كاميرا خفية يصحب فنانا في رحلة "صحراوية"، وفي قلب رمال صحرائنا الشاسعة تتعرض السيارة التي يركبها إلى مطاردة من قبل مهرّبين "افتراضيين"، ما يجعله في قمة الرعب.. ما حكم الدين في الكاميرا الخفية؟ يرى كثير من العلماء أن الكاميرا الخفية قائمةٌ أساسا على مخادعة الناس والتحايل والكذب الواضح عليهم، وهو يكفي في تحريمها ولو بقصد ممازحتهم، ذلك أن شرط المزاح المحمود في الدين أن يكون مبنيا على الصدق، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القومُ فيكذب، ويل له، ويل له." وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل ليتكلم الكلمة لا يريد بها بأساً إلا ليضحك بها القومَ فإنه يقع فيها أبعد ما بين السماء والأرض". ومن ذلك أن بعض منتجي برامج الكاميرا الخفية يكذبون ويخدعون المشاهدين كثيرا، فيوهمونهم أن المَشاهد التي رأوها حقٌّ مع أنهم متفقون مع من سيكونوا أبطالها، فيدعون أنهم خُدعوا بالمشهد وليس الأمر كذلك، وقد يتأسف المشاهد المسكين للمشهد أو يبكي له أو يتأثر به وهو مخادَعٌ مكذوب عليه. ولذلك يسمونها في بعض البلاد "خدعة" وفي بعضها "مقلب" وفي بعضها غير هذا من الكلمات التي تتفق على معنى واحدٍ جامع وهو الاستهزاء بالُمشاهد ومخادعته. ويشير فقهاء إلى أن مِنْ أظهر عِلل تحريم "الكاميرا الخفية" أنها قائمةٌ أو صائرة إلى تخويف الناس أو ترويعهم، وهذا لا يخفى على مَن شاهدها، فمرة ترى رجلا باكيا، ومرة ترى امرأة فارة مستغيثة، ومرة ترى أحدهما خائفا مرتعبا أو ولجا متحسرا بلغ قلبَه الحلقوم، وكلُّ ذلك مفاسد كبيرة وجب إيقافها والخوف من اقترافها. ويستدل هؤلاء على هذا الحكم بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يسيرون مع رسول الله في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال: ما يضحككم فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً". وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جاداً ولا لاعباً، وإذا وجد أحدكم عصا صاحبه فليردها عليه." ولذلك يتساءل متتبعون: أيُّ ضحك ومزاح يحلو لعاقل وهو يعلم أنه قام على إرهاب الناس وتخويفهم وتهديدهم؟..