لم يكُن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جافيًا موغِلاً في الصرامة، إنّما كان يُخالط أصحابه، ويُمازحهم ويُداعبهم ويتبسّم معهم. وبالرّغم من أنّ النّاس ينظرون غالبًا إلى مواقف المزاح على أنّها ليست مواقف جادة، ولا يحملون صاحبها مسؤولية جميع ما يقول، إلاّ أنّ مُزاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان من نوع آخر. فلم يكن يقول في مزاحه شيئًا غير الحقيقة، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: قالوا: يا رسول الله، إنّك تُداعبُنا؟ قال: ''إنّي لا أقول إلاّ حقًّا'' أخرجه الترمذي وأحمد. ولم يكتف سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتزام هذا السلوك في نفسه، فأكّد على أصحابه وأتباعه أن يلتزموا بالصدق، وحذَّر مَن تعمّد الكذب لمجرّد إضحاك الآخرين، فقال: ''ويلٌ للّذي يحدث فيكذب ليُضحِك به القوم، ويلٌ له، وَيْلٌ له'' أخرجه أبو داود وأحمد. ولم يكن مزاحه ومُداعبته صلّى الله عليه وسلّم قاصرًا على الرِّجال والكبار، فقد كان يمازح الصغار ليؤنِسهم، يقول خادمه أنس بن مالك رضي الله: ''إن كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليخالطنا حتّى يقول لآخ لي صغير، يا عُمَيْرُ ماذا فعل النُّغَيْرُ؟'' أخرجه البخاري ومسلم