بقلم أعميرة أيسر * الجزء الثاني والأخير بالعودة إلى السّياق التاريخي لقضية الصحراء الغربية فإنَّ اسبانيا كانت مرتاحة للاستفتاء الذي جري سنة 1975 لأنها ستكون متواجدة فيه رغم تأكيدات الأممالمتحدة بأنَّ السُّكان الأصليين هم فقط من يحق لهم التصويت ومن ذلك الوقت تحولت المعركة بين جبهة البوليساريو والمغرب واسبانيا واتجه الجميع إلى الميدان لكسب الصراع قبل أوانه. -ولكن جبهة البوليساريو كانت قد أقرت بعد مؤتمرها الثاني المنعقد في أوت سنة1974وأكدت على انتهاج سياسة اكتساح الميدان وذلك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الصحراويين في المدن والقرى وفتح عيونهم على الواقع الخطير ولإضعاف الجبهة أسًّست اسبانيا حزب الوحدة الوطني الصحراوي وأسَّس المغرب حركة الرجال الزرق ودعمت اسبانيا كذلك جماعة الشيوخ التي اعتبرتها الممثل الوحيد للشعب الصحراوي وبتاريخ 12أكتوبر1975حدث تجمع كبير في بنتيلي كان هدفه توحيد كلمة الشعب الصحراوي وقد انضمت هذه الجماعة أي جماعة الشيوخ إلى جبهة البوليساريو بتاريخ 28 نوفمبر سنة 1975وبعدما أحست جماعة الشيوخ بأنَّ اسبانيا تخونهم سراً وبالتالي أصبحت جبهة البوليساريو الممثل الوحيد للشعب الصحراوي واختفت جماعة الشيوخ وحركة الرجال الزرق المغربية وفي سنة1975حدثت عملية تآمر كبيرة على حقِّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره إذ اتفق كل من المغرب وموريتانياواسبانيا على تقسيم الصحراء الغربية في مؤتمر مدريد ودون مراعاة القانون الدَّولي وتمَّ توقيع الاتفاق يوم 14 نوفمبر 1975 وبعد 25 يوماً أصدرت الأممالمتحدة قراراً مثيراً للجدل بتاريخ 10ديسمبر1975يتكون من شطرين وهما A-B أحدهما معقول وهو A الذي اعتبر اتفاق مدريد غير شرعي ورغم أنَّ هذا القرار مشكوك في شقه الثاني B إلاَّ أن النتيجة التي يتفق عليها في شقيه هي استشارة الشعب الصحراوي تبقي شرطاً وحيداً حتىَّ تتمَّ السيادة عليه إقليمياً. -وبتاريخ 26 فبراير1976 انسحبت اسبانيا من الإقليم رسميا تاركة الفوضى تعمٌّ الإقليم ودون أن يتم تنصيب هيئة قانونية ذات سيادة تدير الأراضي الصحراوية وذلك بعد أن رفضت الأممالمتحدة الاعتراف للمغرب وموريتانيا بالسِّيادة عليها وإدارته. مادامت شروط استشارة الشعب الصحراوي لم تتم بعد وتحملت جبهة البوليساريو المسؤولية وأعلنت عن قيام دولة شرعية لإدارة المنطقة سياسياً وإدارياً فاستفتاء البعثة الأممية التي اعترفت في تقريرها بأنَّ الصحراويين صوتوا بأنهم مع الاستقلال ومع جبهة البوليساريو كتنظيم سياسي يقودهم وهذا ما يفسر أنه على الصعيد القانوني فإنَّ الاستشارة تلغي الاستفتاء فالأممالمتحدة ترى بأنه لا يوجد قرار يعترف بالمغرب أو موريتانيا كقوى مديرة للإقليم ولا يوجد ما يؤكد على أوهامها وادعاءاتهما الباطلة بأنًّ لهما الحقُّ السيادي عليه أو حقُّ التصرف في الثروات الباطنية للصحراء الغربية وقد تمُّ إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من طرف جبهة البوليساريو يوم 27 فيفري من نفس العام في الأراضي المحررة وفي بيانها التُّأسيسي قالت: الدولة الجديدة أنه انسجاماُ مع توجهها ومذهبها والطريق الذي تنتهجه فإنُّها تعلن احترامها تعهداتها للميثاق الدًّولي لحقوق الإنسان وبعد24ساعة من إعلانها اعترفت بها لحدِّ اليوم أزيد من74دولة. -وقد شنًّت القوات المغربية الغازية أول هجوم بتغطية من الطائرات الحربية وقامت بقصف القرى الصحراوية من نهاية أكتوبر1975 إلى غاية 20 ماي1976وبدأ قصفها حتىًّ قبل خروج الأسبان من طرف واحد ودون تنسيق مسبق مع أحد وتمّ القصف المركز في مناطق أم دربكة والفتلة وهذه الفترة التي عرفت تنظيم الجيش الصحراوي وبدأت الجبهة تدير شؤون اللاجئين في المخيمات الصحراوية وبتاريخ 20 ماي 1976أعلن الولي مصطفى زعيم البوليساريو بأنّ الحركة قد انتقلت من الدفاع الايجابي إلى إستراتيجية الهجوم المضاد. وقد قاد هو أول هجوم ضدًّ العاصمة الموريتانية واستشهد هناك باعتبار أنًّ الجيش الموريتاني كانت له سوابق في شنِّ غارات على معاقل الجبهة سابقاً وبعد المؤتمر الثالث للجبهة بدأ هجومٌ الشًّهيد الولي مصطفى واستمر إلى غاية1978ثمّ أتى هجوم الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين وفيه حققت جبهة البوليساريو أكبر انتصاراتها العسكرية وفرضت على العالم أجمع أن يحسًّ بها ويولي أهمية لكفاحها من أجلِ نيل الاستقلال وقد كانت الهجمة الصحراوية بعدها صاعقة وحاسمة فاضطر المغرب إلى أن يستنجد بخبراء استراتيجيين أمريكان وإسرائيليين وأموال عربية لتحصين قواته وذلك عن طريق بناء الأحزمة الرملية وفي سنة 1984 بدأت البوليساريو هجوماً آخرا أطلقت عليه هجوم المغرب العربي الكبير وهو عبارة عن حرب استنزاف لقدرات الجيش المغربي المٌتمترس خلف حزام رملي كما أشرنا إلى ذلك وهذه الحرب كنت مكلفة جداً بالنسبة للمغرب إذ كان يخسر حوالي200 ألف دولار يومياً وهذا الأمر دفعه إلى أن يطلب من حلفائه في الأممالمتحدة حثَّ المنظمة على إيجاد مخطط عاجل لوقف هذه الحرب ورغم أن البوليساريو قبلت بمخطط إعلان حسن النوايا ولكن العديد من كوادرها وقياداتها منذ1991كانت تؤكد على أنَّ هذه ليست إلا خديعة مغربية لوقف الحرب على الجيش المغربي المحتل. -والشيء الذي يميز نضال جبهة البوليساريو أنها طوال أكثر من17سنة من الكفاح المسلَّح لم تقم بتنفيذ عملية واحدة ضدَّ المدنيين في المدن المغربية أو الصحراوية على السَّواء وذلك رغم تواجد عدد كبير من مناضليها وأنصارها هناك وهذا ما جعلها تحظى باحترام حتىَّ حليف المغرب الاستراتيجي وهو أمريكا. إذ تعتبر جبهة البوليساريو حركة التحرير الوحيدة التي لم تصنف كحركة إرهابية في وقت صنفت فيه الكثير من الحركات التحررية ضمن تلك الدائرة. شهادات مأساوية واللافت للذكر والإشارة وحسب جمعية أولياء المعتقلين الصحراويين غير الحكومية فإنَّ المئات من المواطنين الصحراويين قد فقدوا منذ 1975ولا يعرف أحدٌ عنهم شيئاً ولازالت المملكة المغربية تتكتًّم على مصيرهم. وتمّت تلك الاعتقالات بدون محاكمات وإذا تمَّت محاكمتهم فيتمُّ ذلك دون وجود محاميين للدفاع عنهم وبدون احترام أدنى الشروط والقوانين القضائية وحسب منظمات شؤون الأسرى فإنَّ جبهة البوليساريو كان لديها حوالي3000 سجين مغربي وقد تمَّ الإفراج عن معظمهم بحلول سنة2003 ولم يبق إلاَّ المئات ممن ينتظرون إطلاق سراحهم. فهذا الملف عالقٌ منذ سنوات بين المغرب وجبهة البوليساريو التي تعتبر المغرب المسئول الأساسي عنه فالكثير من هؤلاء الجنود المغاربة قضوا أزيد من20سنة فما فوق في السُّجون الصحراوية وبعضهم شاخ ومرض وبعضهم أحسَّ بفداحة الخطأ الذي ارتكبه بغزوه لأراضي الصحراء الغربية وعدوانه على شعب عربي مسلم مُسالم. -ومنذ سنة1966وكل القرارات الأممية تؤكد على حقِّ تقرير المصير للشعب الصحراوي فالمغرب الذي اتهم جبهة البوليساريو في أكثر من مناسبة بأنها حركة شيوعية تنفذ السِّياسة السوفيتية في المنطقة وهو ما نفاه الاتحاد السوفيتي الذي صوت لصالح المغرب في تحديد مستقبل الإقليم كالقرار رقم 3229 الصادر سنة 1974الذي أجّل الاستفتاء ورفع القضية الصحراوية إلى المحكمة الدولية في مقترح سياسي أكثر منه قانوني وفي مقابلة مع زعيم جبهة البوليساريو في جريدة الوطن العربي سنة 1989صرَّح بأنَّ الاتحاد السوفيتي لم يسلم لنا ولا كيلو غرام من القمح ولا طلقة واحدة منذ نشأة الحركة ولا ننسى بأنَّ الاتحاد السوفيتي رفع الحظر سنة1960على دخول موريتانيا إلى قبة الأممالمتحدة ووقَّع اتفاق القرن مع المغرب بتاريخ 6 مارس 1978لشراء الفسطاط الصحراوي الجيِّد بسعر رمزي مقابل سكوته والغريب في الأمر أنَّ المغرب الذي صوت ممثله في الأممالمتحدة سنة1966بقبول استقلال الصحراء الغربية الضمني إذ جاء في نص كلمته التي ألقاها هناك أنَّه بالنسبة له أي المغرب مثلما بالنسبة لأي بلد إفريقي مستقل فإنَّه من الواجب تمكين سكان الصحراء الغربية من فرصة اختيار مصيرهم بحرية إن كانوا يريدون الحرية أو أن ينضموا إلى بلد آخر دون أن يحدِّد هويته وهذا نفس ما قاله ممثل موريتانيا في الأممالمتحدة من أن موريتانيا تأمل في أن يسمح للسُّكان الصحراويين بممارسة حقهم في تقرير مصيرهم ودخلت البوليساريو والمغرب في سلسلة من اللقاءات السِّياسية التي لم يتمخض عنها شيء أبرزها لقاء وفد الحركة للوفد المغربي بتاريخ أكتوبر1978وذلك بإشراف الرئيس المالي(موسى طرا وري) وفشل لأنَّ المغرب كان يرى في جبهة البوليساريو حركة تحرير غير معترف بها والجمهورية الصحراوية غير معترف بها كدولة ثمَّ من بعدها لقاء الجزائر السِّري في سنة1983وجمع بين مستشار الملك المغربي ووزير الداخلية مع ثلاثة قيادات سياسيَّة ممثلة لجبهة البوليساريو واللافت في الأمر وقتها أن المغاربة صرَّحوا بأنه إذا قرر الصحراويون الاستقلال فإننا أول من سيعترف بهم وبأنَّ الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو وليس بين الجبهة والجزائر ومن ثم لقاءات البرتغال والسعودية وكلها كانت فاشلة نتيجة لتعنت المغرب الذي يرفض استقلال الصحراء الغربية التي يحتلها بالقوة وكانت آخر حماقة دبلوماسية ارتكبها هي تقليص بعثة المينورسو الدَّولية في الصحراء الغربية ومن ثمَّ طردها وذلك بعد تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من الجزائر والتي دعا فيها إلى ضرورة إجراء استفتاء لتحديد مصير الإقليم وانتقد السِّياسة المغربية في هذا الملف وهو الأمر الذي أثار غضب المخزن وجعله يتصرف بعنجهية ضارباً عرض الحائط كل القرارات الأممية التي تدعم حقَّ الشعب الصحراوي المحتل. ومن ثمَّ اضطرت الرباط لإعادة البعثة الأممية بعد ضغط أوروبي ودولي غير مسبوق على المغرب وقيادته السِّياسية طوال فترة هذا الصِّراع المرير الذي دفع الشعب الصحراوي أثماناً باهظة لقاءه فقط لأنه أراد العيش كبقية شعوب الأرض في حرية وكرامة وإباء.