بقلم: أسامة شحادة ارتجّ المجتمع الأردني قبل أيام لوقوع جريمة بشعة بحق طفل سوري تم الاعتداء عليه ثم قتله بوحشية بالغة على يد ذي أسبقيات ومدمن للخمر. وتعيد هذه الجريمة ذكرى الجرائم البشعة التي وقعت مؤخرا بقتل مدمن مخدارت لوالدته وقتل بعض الآباء لأبنائهم حيث أصبحت الجرائم تتكاثر وتقع لأسباب تافهة وبأشكال وحشية وضد الأهل والأقرباء والجيران في ظاهرة خطيرة مقلقة ومزعجة. وهذه الظاهرة لا تقتصر على مجتمع بعينه بل للأسف أصبحت ظاهرة تمسّ الكثير من المجتمعات الإسلامية والتي أصبحت تشهد ازديادا في عدد الجرائم ومبالغة في الوحشية والإجرام فجرائم الاغتصاب والزنا والتحرش والسطو والسرقة وإدمان المخدرات وترويجها تتصاعد وبطرق فيها تهور ووقاحة وعدم اكتراث بالدولة والقانون والأمن والمجتمع. واقع مخيف وعلى صعيد الأسرة تتكاثر حالات الطلاق بنسب مخيفة وصرنا نشهد حالة من العزوف عن الزواج عند كثير من القادرين عليه وأيضا حالة من العجز عن الزواج عند كثير من الراغبين فيه بسبب تكاليفه الباهظة مما يهدد السلامة المجتمعية في المرحلة القادمة فضلا عن حالات العقوق للوالدين وإساءة التعامل معهما والتخلي عنهما لدور العجزة كحال المجتمعات الغربية. وطبعا مشاكل التعثر الاقتصادي والشيكات المرتجعة وسوء الائتمان وعدم سداد الديون تتفاقم بشكل رهيب وقد شاهدنا أثر قروض الربا على سجن مئات النساء الكريمات ويشكل ارتفاع معدلات البطالة مؤشرا مزعجا لتردي الأوضاع وقابليتها للتدهور. وإذا أضفنا لها ثقافة العنف والجنس المدهشة التي يحقن بها الجيل على وجه خاص صباح مساء عبر شاشات الفضائيات والهواتف وألعاب البلاي ستيشن أو عبر مقاطع إرهاب داعش والتي تتجول في الأثير بكل حرية وديمقراطية! فإن المشهد سيكون قابلاً للاشتعال بكل سهولة. ففي الوقت الذي تضخ فيه وسائل الإعلام والإعلان كل المثيرات والفتن والشهوات على جيل يعاني من أزمات اقتصادية طاحنة فتثير فيه بركان الغرائز بالصور الفاتنة والمقاطع الحالمة والموسيقى المهيجة من جهة وتقدم له القدوات الإجرامية في أبهى حلة وأنهم محل التقدير والإبهار وتمنّيه بحياة الأحلام الخيالية وترسخ في وعيه ولا وعيه مفاهيم الحرية المنفلتة والفردية المطلقة فإن الكثير من الناس يعيش حياة صعبة لا يكاد يتوفر له فيها مقومات الحياة الأساسية مما يجعله ساخطاً على واقعه ومجتمعه وليس أمامه إلا الصبر أو اليأس أو الإدمان ثم الإجرام للوصول إلى عوالم الإعلام الخيالية ومن ثم السقوط في الهاوية! ليس غريبا.. وحين يرافق هذا كله أزمات سياسية كبرى على مستوى الدولة والإقليم والمنطقة حيث الظلم هو المنطق العالمي السائد وحيث الوعود بالإصلاح تفرّغ من مضمونها وحقيقتها وحيث تحتكر القيادة في طبقة مخملية بعينها فليس غريبا عندها أن يفقد كثير من الشباب المتحمس والمندفع ثقته بمؤسسات الدولة وإمكانية إصلاح الأحوال ويسهل عليه تقبل الأوهام السوداوية ومنطق شمشون بهدم المعبد على الجميع! وتتكثف خطورة هذه الأوضاع السيئة مع السياسات المعتمدة مؤخرا بمحاصرة الإسلام والتدين في المجتمعات الإسلامية تحت وابل هجمات الإعلام العلماني والإلحادي في الداخل والخارج والذي يتخذ من شماعة جرائم داعش ذريعة لمحاصرة الدين والتدين في المجال العام والخاص. ولذلك نشهد تصاعدا في الهجوم على المناهج التعليمية ومحاولة وصْمها بالداعشية وأنها سبب التطرف والغلو لا سياسات القمع والظلم والتعذيب في السجون وسياسات التوظيف والدعم والإيواء لقادة التطرف في عواصم أوروبا وإيران! ونشهد هجمة على الجامعات الإسلامية وكليات الشريعة للتضييق على منتسبيها وتحريف مناهجها باسم تطوير أدائها من قبل القوى العلمانية ومن جهة أخرى هناك تلاعب بمناهجها لصالح رؤية مذهبية متعصبة ومنغلقة تجتر عصور التخلف والتعصب المذهبي الذي أغلق باب الاجتهاد وعطّل الحياة الفكرية وفتّت وحدة الأمة حتى في الصلاة فأصبحت الصلاة الواحدة تتكرر في المساجد بعدد المذاهب فالصلاة التي توحّد الغني والفقير والكبير والصغير والعربي والأعجمي أصبحت هي التي تفرّق المسلمين باسم المذاهب الفقهية فالشافعي لا يصلي خلف الحنفي وهكذا وتريد هذه الرؤية المتعصبة والمنغلقة أن تعيدنا إلى عصر الفتاوى المتخلّفة التي سبّبت انحطاط الأمة حين حرّمت الزواج بين بعض المذاهب إلا على سبيل القياس على جواز الزواج بالكتابية! إن هذه الرؤية المنغلقة والقاصرة قد تم تجاوزها في العقود الماضية من خلال الصحوة الإسلامية وازدهار فقه الدليل والفقه المقارن الذي فتح الباب لمواصلة الاجتهاد في النوازل ومستجدات العصر وتجاوز مخلفات التعصب الفقهي الأعمى الخالية من الدليل الشرعي وبسبب ذلك تم التيسير على الأمة في كثير من القضايا اتباعاً للدليل الشرعي من القرآن والسنة وتركاً لأقوال الرجال الخالية من الدليل ومن أبرز هذه القضايا قضية الطلاق بالثلاثة والتي استقر الاجتهاد العصري من مختلف المذاهب والمدارس على اعتماد فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الطلاق بالثلاث يقع طلقةً واحدة وهو ما تم اعتماده في قانون الأحوال الشخصية الأردنى المادة 89 وإن النكوص لمنهج التعصب الفقهي هو نكوص لعصور التخلف والتقليد الأعمى والحجْر على المجتهدين والتنطع والتشدد بغير دليل والتضييق على المسلمين كما أنه نبذ ومخالفة صريحة لرسالة عمان التي كانت خطوة لمحاربة التطرف والغلو من خلال القبول بالتنوع المبني على الدليل والصحة والسلامة! الإسلام يحكم الفضاء العام ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث بدأ البعض يجاهر بأن القرآن الكريم كتاب روحاني! وأن الإسلام قضية شخصية! وأن التدين لا مكان له في الشأن العام! وهكذا في كشف صريح عن أهدافهم المبغضة للإسلام والقرآن فالقرآن ليس كتاباً روحياً فحسب وإلا ما معنى آيات المواريث فيه وماذا نفعل بها؟ وما معنى آيات الزكاة فيه وماذا نصنع معها؟ وآيات تحريم الخمر والخنزير والميتة هل نلغيها من القرآن كما يرغب هؤلاء المبطلون؟ وهكذا بقية أحكامه وتوجيهاته. والإسلام ليس قضية شخصية بل قضية مجتمعية شاملة تشمل البيع والشراء والزواج والطلاق والقيادة والحكم والتعامل السياسي والاقتصادي وهكذا. والإسلام يحكم الفضاء العام فلا يجوز لجار أن يؤذي جاره ولا يجوز أن ينتشر فيه الشر والإجرام والمعاصي والفجور ولا بدّ فيه من احترام الشعائر الإسلامية والمقدسات الدينية والحريات الفردية تنتهي عند حدوده ولا يجوز لها أن تتعداه أبداً وهذه مسؤولية الدولة في مراعاة ذلك. فاجتماع سوء مضمون الإعلام بمفاهيمه وسلوكياته وسوء الأحوال الاقتصادية والأحوال السياسية ومحاصرة الدين والتدين هو في الحقيقة الوصفة النموذجية لتفاقم الجرائم والمشاكل في المجتمعات الإسلامية والوصفة المثالية لاتباع سنن الفساد والانحلال للأمم الأخرى. إن الإعلام الذي يروّج للحريات والانفلات والشهوات لا يقدم لنا الوجه الآخر من الحقيقة بانتشار جرائم التحرش بأرقام خيالية حتى في الجيوش والدوائر الرسمية والشركات الكبرى الغربية ولا يقدم لنا الوجه الآخر للملذات الفردية المنفلتة من ضوابط الدين فلا يتحدث عن الحجم المهول لحوادث مدمني الخمر والمخدرات ووفياتهم البشعة ولا يتحدث عن تفاقم كوارث الأمراض الجنسية أو أمراض الخمر والمخدرات ولا يتحدث عن موت المجتمعات الغربية بسبب عدم الزواج وإنجاب الأطفال والاكتفاء بالزنا المتنقل ولا يتحدث عن الدمار الرهيب للتعامل بالربا على حياة الأفراد والمجتمعات. سور الأمان لقد حذرنا الله عز وجل من أثر المعاصي والذنوب فقال تعالى: (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا) (الروم: 41) فها هي الربا والزنا والقتل والسرقة والغش والتبرج والتحرش تنتشر في جنبات المجتمعات وها هي المصائب والأزمات تتفاقم حتى نذوق أثر ما تقترفه أيدينا والحل هو بالتوبة والعودة لسبيل الله عز وجل بالتزام العدل والطهارة والأمانة والصدق والإصلاح والإيمان بالله وباليوم الآخر. وإلا هل سننتظر من جيل يحرمه الساسة بتحريض من أبواق إعلامية من تعلّم دينه في مدرسته أو سماع القرآن في التلفاز والراديو أو الحجْر على العلماء الصادقين من إيصال الهداية لقلبه مع فتح المجال للإعلام الهابط بالشهوات والمليء بالعنف والقتل والدمار هل سننتظر من هذا الجيل إلا أن يقتل والديه ويغتصب جارته وزميلته ويسرف في الإدمان ولا يتورع عن كسر القانون؟ أو انتهاج سبيل التطرف وما بعد داعش؟ الإيمان هو سور الأمان للمجتمعات المسلمة فلتكن لكم مساهمة في ترسيخ سور الإيمان في قلوب الجيل الصاعد في أسرته ومدرسته ولهوه ومجتمعه ليكون هذا الجيل سوراً لمجتمعه في وجه الإرهاب والتطرف ومؤامرات الأعداء وفي وجه مروجي المخدرات وفي وجه المنحرفين والفاسدين من كل نوع.