بقلم: يونس بلخام* لم يكن قرعنا لناقوس الخطر و تحذيرنا الدائم من مغبة التهاون و التهوين من خطر التفسخ الإجتماعي الذي ما يفتؤ يُبرز عضلاته في مجتمع لا يُبدي أدنى استجابة أو ردة فعل لمجابهة و مقاومة هذا الاستفحال الرهيب لظواهرَ إجتماعية غريبة عن مجتمعنا و منظومة قيمه الدينية و الأخلاقية و حتى الثقافية المتعاهد و المتآلف عليها منذ القديم و كأبشع صورة قد يصلها و قد وصلها للأسف هذا التفسخ الإجتماعي أنْ يتم تهديد إمام بالقتل إن لم يُطع أمر المخلوق و يترك أمر الخالق ! إنّ وصول الأئمة لمرحلة التهديد بمقاطعة صلاة الجمعة ما هو إلا برهان دامغ على أن السيل قد بلغ الزُّبى و أنّ الصبر و غض الطرف عن التصرفات العدائية و اللّاأخلاقية التي صارت تُمارس عليهم و على عائلتاهم حتى و هم فوق المنابر أو في منازلهم لم يعد يجدي نفعا و لم تتغير تلك السلوكات المتكررة رغم تدخل العقلاء في كل مرة لإطلاق الوعود المطيلة للأمل فقط بحمايتهم و الحرص الأكيد على عدم تكرار سيناريوهات شبيهة بسالفاتها فعقَد الأئمة العزم على أنّ أوان إماطة لثام السكوت قد آن و أنّ مُداراة الحقائق خلف ستار حفظ الصورة الكمالية التي يحملها المجتمع عن المسجد و عن مَن يقومون عليه بما فيهم الأئمة على وجه التعيين ما هي إلّا دافعٌ قوي ساهم في إعطاء أولئك المتشددين و المغالين في الدين لحافا يتدارون خلفه كلّما مارسوا ضغطهم و تهديدهم و تعنيفهم للأئمة ممّن لا يرتضون الانصياع و الانقياد لأهوائهم رغم كل تلك الممارسات اللفظية شديدة اللهجة و حتى تلك الممارسات الجسدية العنيفة كالضرب و التطاول عليهم و يبقى سبب ذلك أنّ هؤلاء الأئمة نافحوا و دافعوا عن الخطاب الديني المعتدل في الجزائر و حفظوا له وسطيته و إعتداله على حساب ما تُبيّته قلوبهم و قلوب عائلاتهم من خوف و رعب ناجم عن الوعيد و التهديد المسكوت عنه أو غير المبالى به ! ليس على وزارة الداخلية توفير الحماية للأئمة لو اِلتفتنا نحن أفراد المجتمع المدني لهاته الفئة ممّن تحمل على عاتقها حِملا ثقيلا يتمثل في إلقاء الخطاب الديني أو تبليغ الرسالة الدينية هذه الأخيرة تتسم بالحساسية و قوة التأثير و الإقناع بحكم أنّ الشعب الجزائري يبقى شعبا مسلما و يُولي الدين أهمية بالغة على حساب كل أنواع الخطابات الأخرى الموجهة إليه فإنْ لم يلتفت أفراد المجتمع المدني حول أئمتهم الذين يتعرضون يوما بعد يوم لتصعيد في التعنيف و التطاول من أولئك المتشددين فإنّه قد يصل الأمر بهم إلى مرحلة لا يمكنهم فيها المجابهة لوحدهم و ستترسخ في ذواتهم قناعات لا نريدها أن تترسخ كأنْ يشعر الإمام بأنّه وحيد و أنه ما من سند يستند عليه و ما من عون يُعينه في سبيل حِفظ الموروث الديني من سموم التشدد و المغالاة و الذود عن إعتداله و وسطيته . من النافل القول أنّ إجراءًا كالذي اتخذته وزارة الداخلية بضمان حماية الإمام من حملات الإعتداء و التعنيف التي طالته مرارا و تكرارا هو إجراءٌ نثمنه و يؤكد لنا أنّ للدين وزنا و أهمية بالغة في منظومة الحكم في البلاد و أنّ هذه الأخيرة حريصة حِرصَ الأئمة بالذود عن وسطيته و إعتداله غير أنّ إجراءا كهذا هو إجراء مرحلي فقط و ليس من شأنه القضاء نهائيا على الظاهرة فالواجب و الأَوْلى أن يُصبَّ كلُّ التركيز على منبت هذه الظاهرة و استئصال جذورها بفنِ خطاب ديني معتدل و عميق يُحذر و يلفت الأنظار و العقول إلى مغبة التهاون و التسامح مع الأفكار المتعصبة بحجة الدفاع عن الإسلام و هل الدفاع عن الإسلام يخولنا أن نقاطع إخوتنا و جيراننا و أن نُبَدّعهم لأتفه الأمور و لمم المسائل؟! ظاهرةٌ مرضيةٌ كهاته لن تطال الأئمة فحسب بل ستستفحل و تنقل عدواها إلى شرائح أخرى من المجتمع إن لم نقل مؤسسات مدنية أخرى لأنّ التّصعب لمسألة ما صَعبٌ على المتعصبِ لها أنْ يتوقف تعصبه عند حدّ معين فهو كلما أرضى غليله من ممارسة تعصبه على جهة ما فإنّه ما يفتؤ محولا نظره إلى جهة أخرى ليضمن لنفسه قدرا أكبر من الرضا عن ما يقوم به و عن مَن رسخوا في ذاته مفاهيم و قناعات فيها من المغالاة ما لا يُطاق و ما وصول ظاهرة كهاته إلى ما وصلته حتى طالت الأئمة ما هو إلا إرهاصٌ صارخ على أنّ الأمر لا يستهان به بتاتا و أنّ ضرورة تحرك المصالح المعنية و على رأسها وزارة الشؤون الدينية لحماية المرجعية الدينية في الجزائر من سُم التشدد و المغالاة الذي ذاق منه الشعب الجزائري كميات كبيرة ولسنوات طويلة خلت !