في ظل الانتقادات الكبيرة التي تعرّض لها المستشار القضائي الشيخ عبد المحسن العبيكان إثر فتواه الأخيرة التي أجاز فيها إرضاع الكبير في ظل ضوابط حددها، عاد الشيخ العبيكان وعبر بيان نشره على موقعه للرد على تلك الانتقادات، ومشيراً إلى توضيحات جديدة ومبدياً انزعاجه مما وصفه بملاحظة أن بعض الصحف المحلية نشرت بيانات تصدر من قبل الشيخ وفيها الكثير من البتر والاختصار المخل والذي يؤثر تأثيراً واضحاً في ما يراه الشيخ ويفتي به ويتبناه من تلك البيانات«. وفي ضوء ذلك ذكر البيان أنه »لا عبرة بتلك البيانات المنقولة عن الشيخ والصادرة في الصحف ما لم يتمّْ الرجوع إلى هذا الموقع وقراءة تلك البيانات«. حالتان لإرضاع الكبير البيان الذي ورد فيه تقييد الشيخ جواز الفتوى في حالتين اثنتين إحداهما طفل أُخذ من ملجأ لا يعرف له أم ولا أب، أو أخ احتاج للسكن مع أخيه المتزوج علقت عليه الكثير من وسائل الإعلام واعتبرته تراجعاً جزئياً، فيما أكد فيه الشيخ العبيكان جوانب وإيضاحات لم ترد من قبل في كل التصريحات التي نُسبت له حول موضوع فتوى الإرضاع، محذراً من »خطورة القدح في السنن الصحيحة وكذلك في آراء الأئمة والعلماء«. وقال »من المؤسف أن بعض الناس يستعجل عندما يفهم بعض الفتاوى فهماً خاطئاً فيردها أو ينتقدها دون السؤال عن حقيقتها وما تدل عليه«. واعتبر أن ما جاء في الفتوى التي نقلها عن السيدة عائشة رضي الله عنها وعن جمع من الأئمة والمحققين في جواز إرضاع الكبير عند الحاجة الملحة، ووصف فهم البعض بأنه خطأ في أن »الرضاع يحصل مباشرة من ثدي المرأة«، وأن الحقيقة هي أن »تحلب المرأة في إناء ثم يشربه بعد ذلك، كما نص عليه أهل العلم«. واستدل الشيخ في البيان الجديد بآراء مثل رأي الإمام ابن عبد البر في كتاب »التمهيد«: »هكذا إرضاع الكبير كما ذكر، يحلب له اللبن ويسقاه، وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل فلا، لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء«. وكذلك ما أورده الحافظ ابن حجر بقوله: »واستدل به على أن التغذية بلبن المُرضعة يحرم سواء كان بشُرب أم أكل بأي صفة كان حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك إذا وقع ذلك بالشرط المذكور من العدد لأن ذلك يطرد الجوع وهو موجودٌ في جميع ما ذكر فيوافق الخبر والمعنى، وبهذا قال الجمهور«. حالات إرضاع الخدم نادرة وتطرّق العبيكان إلى جانب ورد في كثير من التعليقات على الفتوى بقوله: »هناك من فهم أن هذه الفتوى تشمل السائقين والخدم وغيرهم، وهذا غير صحيح فلا تشملهم أبداً وإنما هي في حالات نادرة«. وأضاف: »وكما ذكرت الحالتان اللتان تعتبران مثل قصة سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه وما يشبه هاتين الحالتين، كما أنني أنبه إلى خطورة القدح في السنن الصحيحة حيث أن الحديث رواه مسلم في صحيحه ولم ينازع أحد في صحته. وأيضاً القدح في آراء الأئمة والعلماء المحققين، وأعظم من ذلك السخرية فإن مثل هذا يقدح في دين من يفعل ذلك، وقد يؤثر في عقيدته، فالحذر كل الحذر من التعرض للعلماء وفتواهم وما جاءت به النصوص الشرعية«. وأكد أن الأصل في الرضاعة »أن تكون في الحولين أي ألا يتجاوز عمر الرضيع سنتين لقول الله عز وجل: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) سورة البقرة - آية 233، وإن إجازة العلماء في رضاع الكبير جاءت في حالة خاصة هي »إذا احتاج أهل البيت إلى كثرة دخول الكبير عليهم والسكنى بين ظهرانيهم وبالطبع دون أن يرضع مباشرة من ثدي المرأة وإنما تحلب له من ثديها في إناء ويشربه خمس رضعات مشبعات للصغير«. وأوضح قائلاً: »وهذه الحالة تنطبق على من أخذه أهل البيت من ملجأ ولا يُعرف له أبٌ ولا أم فأرادوا تربيته وأن يكون عندهم مثل الولد أو أن يكون شاباً ليس له أقارب سوى أخيه ويضطر للسكن معه ومع أسرته ويحصل الحرج بكثرة دخوله وخروجه وما شابه ذلك«. وأكد العبيكان في بيانه الجديد أن ممن ذهب إلى جواز إرضاع الكبير عائشة رضي الله عنها ومحمد بن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وآخرون، مستشهداً بحديث: »عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إني أَرَى في وَجْهِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: »أَرْضِعِيهِ«. قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ »قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ«. وفي رواية عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ في بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِى ابْنَةَ سُهَيْلٍ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وإني أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم »أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ«. فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ). ووصف العبيكان في نهاية البيان بعض منتقديه بالجهل، مؤكداً أنه »بهذا النقل من الأدلة وكلام الأئمة الأعلام يتبين كثرة الجهل في هذا الزمن حتى عند من يدَّعي العلم، حيث يزعمون جهلاً أن ما قاله هؤلاء الأئمة غير صحيح لأنهم لم يفهموا النصوص ولم يطلعوا على كتب أهل العلم«. وأضاف في تصريح لصحيفة »المدينة« السعودية »إن بعض الذين يقولون إنه لا حاجة لهذه الفتوى في هذا الزمن فلأنهم لا يمانعون من دخول غير المحارم من الرجال على نسائهم وبناتهم وهن متبرجات سافرات، وأما الذين يلتزمون بالحشمة والعفاف والغيرة فإنهم يحتاجون إلى هذه الفتوى في هذا الزمن مثل ما احتاجها السابقون«. وطالب عبر تصريحات عديدة بالتفريق بين فتواه وفتوى أحد أساتذة الأزهر، وأن الفرق بينهما »كبير«، مؤكداً أن »القول بمثل هذا الكلام خطير ولا يصح«. انتقادات المخالفين فيما جاءت أبرز المطالبات والانتقادات من الخبير في المجمع الفقهي الإسلامي أستاذ الدراسات في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور محمد بن يحيى النجيمي الذي ناشد العبيكان »بما عُرف عنه من علم وفضل وورع وتقوى ولزوم الحق سرعة التراجع عن هذه الفتوى«، وذلك من خلال تصريح لصحيفة »المدينة«. وأكد النجيمي أن »رضاع الكبير لا ينشر المحرمية بالرضاع ومن قال به جانبه الصواب. وأضاف »ولأن هذه الرخصة جاءت بعد نزول آية الحجاب مباشرة، فرخص النبي بها لهما -سالم وسهلة- فكانت استثناء من عموم الحكم وهذه من خصائص النبي الكريم، ومن ثمّّ فإن إرضاع الكبير لا ينشر المحرمية بالرضاع، ومن قال بهذا فقد جانبه الصواب«.