بقلم: أحمد برقاوي* ما من مجتمع متكون في دولة أو وطن لا ينطوي على الاختلاف من أكثر المجتمعات الأوروبية تقدماً إلى أكثر المجتمعات تأخراً. والاختلاف على أنواع وأشكال: فهناك الاختلاف بين المدينة والقرية والاختلاف الأيديولوجي والاختلاف الديني والاختلاف الإثني والاختلاف السياسي إلخ. وليس العالم العربي بواقعة تشذ عن هذه الحقيقة ولقد جاء حين من الدهر اتبع الاستعمار القديم سياسة فرق تسد مستغلاً حال الاختلاف داخل المجتمعات العربية واستمر الاستعمار الجديد بهذه السياسة وطبقها بريمر في العراق. وتقوم السياسة الإيرانية الآن في بلادنا على المبدأ نفسه. ولكن يجب الاعتراف بحقيقة لا لبس فيها ألا وهي أن نجاح أية سياسة خارجية في بلادنا إنما تقوم على قابلية جماعات ومصالح هذه الجماعات لتنفيذ هذه السياسة والاستجابة لها. ولو كان هناك منعة داخلية لما استطاع بريمر أو إيران أن ينجحا في أمر كهذا. ولهذا فإن خطاب الأقليات وحماية الأقليات خطاب تدميري. يجب أن يكون الهدف الوحيد في الكفاح الوطني هوية الانتماء الوطني حيث المساواة بالحق والواجب وبناء دولة الحق حيث لا أكثرية دينية أو قومية أو طائفية ولا أقلية من الأنواع نفسها. بل انتماء وطني فقط يسمح الاختلاف أن يعبر عن نفسه بحرية. ومرة أخرى نحن نحدد إمكانيات فعل عدونا فوجود الطوائف الدينية في بلادنا واقعة طبيعية وقديمة ولكن وجود الواقع الطائفي لا يقود بالضرورة إلى نزعة طائفية أو صراع طائفي. كما إن الانتماء الديني بدوره لا يقود بالضرورة إلى أيديولوجيا دينية أو خطاب تعصبي ديني كما هي الحال بوجود إثنيات لا يفضي إلى خطاب عنصري وصراع قومي. بل تحويل هذه الاختلافات الطبيعية إلى خطابات متعصبة ذات أهداف سلطوية هو الذي يجعلها مصدراً للصراع. الطائفية داء وليس مرضا عارضا ومن أهم عوارضه موت الخلايا الوطنية المسؤولة عن حماية الانتماء. وتزداد خطورة هذا الداء إذا توارثته ا_جيال أما إذا اشتعلت صراعات دموية بسببه فالشفاء منه يكون صعبا جدا. لهذا فلبنان منذ أول حرب أهلية عام 1860 وحتى ا_ن لم يتحول إلى وطن آمن فحزب الله يمنع قيام الدولة المركزية بوصفها دولة تحتكر القوة وتحقق القانون. فيما هو دولة داخل الدولة له جيشه ومخابراته ومؤسساته العنفية وعلاقاته الخارجية بالدول الراعية للإرهاب فوجود سلطة ومظاهر دولة خارجية وبطاقة هوية وجواز سفر مع هوية انتماء طائفية قابلة للاشتعال في أية لحظة كل ذلك لا يعني وجود دولة وطنية. وقس على ذلك وجود الميليشيات الحوثية في اليمن التي تمتلك قوة عسكرية سمحت لها باحتلال صنعاء وما زالت تمنع قيام الدولة المركزية متكئة على دعم دولة ولاية الفقيه. إذاً هناك تناقض شديد بين الطائفية والوطن بين الخطاب الإسلاموي السياسي والوطن وكل كفاح إنساني إذا لم يتحرر من داء الطائفية والأيديولوجيا العنفية لا يؤدي إلى ولادة الحفاظ على الوطن-الدولة. الخطاب الطائفي خطاب خطير لأنه يشعل الوقائع الطائفية. ومواجهة وقائع طائفية بمواقف طائفية مضادة مواجهة زائفة. _نه في حال كهذه لا تنتصر واقعة الوطن-الدولة. والخطاب المتعصب: القومي والديني والطائفي هو امتداد لماهية النظم السياسية المنهارة وليس نقيضا لها. وبالتالي ليس البديل قائما كمشروع إسلاموي شيعي أو سني إخواني أو غير أخواني تدعمه إيران أو قطر أو أية دولة أخرى ومشروع كهذا بالأصل محكوم عليه بالفشل لكنه وقبل فشله قد يكون عامل تخريب لسيرورة التاريخ الطبيعية. بل الخطاب الأليق والمطابق لمنطق العصر والتطور والتنمية والاستقرار هو خطاب المواطنة والمدنية والحرية والدولة وسلطة الدولة المعبرة تعبيراً حقيقياً عن مصالح المجتمع بوصفها ثمرة المجتمع نفسه وعقده الوطني.