حنان قرقاش يبقى زواج الأقارب في الجزائر، واحدا من أنواع الزواج المنتشرة بكثرة، خاصة في المناطق المحافظة، التي لا تزال إلى حد الآن متمسكة بعاداتها وتقاليدها فيما يخص العلاقات الاجتماعية والأسرية بين أفرادها، وعلى رأسها عدم السماح لأي غريب بالدخول بينهم والزواج منهم، وحصر هذا الأخير فيما بين أفراد العائلة الكبيرة فقط، على الرغم من أن كثيرا من العائلات أيضا قد تجاوزت هذا التفكير، خاصة مع تزايد الوعي فيما يتعلق بالنتائج الصحية والآثار الناتجة عن زواج الأقارب، وما خلفه من أمراض وراثية أو إعاقات ذهنية وجسدية، وغيرها· هذا فيما سجلت حالات زواج أقارب ناجحة، لم يتم خلالها تسجيل ولا حالة مرضية طيلة أجيال عديدة، فيما لم تفلح أخرى في تجنب تلك الأمراض، ما أدى إلى ولادة أطفال معاقين لها أو مشوهين، ومصابين بأمراض كثيرة، وهو ما دفع بعض العائلات التي يرتبط الزوجان فيها بعلاقة قرابة إلى تحديد النسل، أو التوقف نهائياً عن الإنجاب، بعد أن وُلد لهما طفلٌ أو طفلان مريضان، ولم يعودا قادرين على التفكير في إنجاب طفل آخر، قد يكون سليما وقد يكون مريضا، والاكتفاء بتربية وعلاج الطفل أو الطفلين اللذين أنجباهما، خاصة وأن تكاليف تربية وعلاج طفل معاق أو مصاب بمرض وراثي ما غالبا ما تكون مرهقة ومكلفة للغاية· واعتبر التوقف عن الإنجاب لدى بعض العينات التي توفرت لدينا حول هذا الموضوع، الحل الأنسب، لتجنب الآثار الصحية المرتبة عن زواج الأقارب، فيما أنه حل يشكل بدوره مزيدا من القلق والضغط للزوجين، فاحتمال إنجاب طفل آخر يكون مريضا وارد، وكذلك احتمال إنجاب طفل سليم، غير أن ذلك لم يمكن كثيرا من الأزواج من أخذ القرار السليم، وجعلهم حائرين، بين رغبتهم في إنجاب طفل معافى، وخوفهم من أن يأتي إلى الدنيا طفل معاق آخر، قد يتعذب كثيرا، وقد لا يجد الإمكانيات اللازمة للتكفل به ورعايته· ولأنه أمر راسخ وتقليد متوارث لدى العائلات الجزائرية منذ عقود طويلة، فإن ظاهرة زواج الأقارب تبقى ظاهرة قائمة ومستمرة في المجتمع الجزائري، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، إيقافها أو الحد منها، لكن على الأقل يمكن الاعتماد على فحص الزواج المبكر الجدي، وإجراء الكثير من الفحوصات والتحاليل اللازمة، من طرف المقبلين على الزواج من نفس العائلة، وتبين نسب واحتمالات وجود أمراض وراثية في الأسرة من عدمها، وكذا دراسة كافة الاحتمالات الممكنة في هذا الإطار، ومعرفة كافة الجوانب والخلفيات المتعلقة بزواج الأقارب، ما له وما عليه، إضافة إلى الاطلاع على جملة المخاطر التي قد تنتج عن هذا الزواج· وكانت دراسة أجريت حول زواج الأقرباء في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، من قبل المؤسسة الوطنية لتشجيع الصحة وتطوير البحث، قد كشفت أن حالات التشوه الخلقي والأمراض الجينية بين أبناء زواج الأقارب تزيد عن المستوى الطبيعي بمرتين أو ثلاثة، وتشمل هذه الأمراض شق الشفة العليا، مرض داتشين، ونزف الدم الوراثي وأمراض القلب وضمور الأطراف ومتلازمة داون والتليّف الكيسي· كما تبيّن للباحثين أيضا أن الجزائر تضم إحدى أكبر نسب شيوع زواج الأقارب في العالم بزواج جزائري واحد من أصل أربعة من بنت العم أو الخال، وكشفت دراسة الفورام أن النسبة في الجزائر أعلى بكثير من نظيرتها في المغرب أو إسبانيا، ولكنها أقل بالمقارنة مع بعض البلدان العربية · وبحسب الأطباء والمختصين في المجال، فإن زواج الأقارب يزيد من احتمال التقاء المورثات المقهورة مما يؤدي إلى التشوهات الخلقية، وهذه المورثات المقهورة لا يمكن أن تظهر إلا إذا التقت بمورثات مقهورة أخرى مصابة بنفس المرض الذي يسمى الوراثة الجسمية، وبما أن الأقارب لهم نفس الجد، والجد هو الذي يوزع الإصابة على الأحفاد التي تلتقي فيما بعد مع تكرار زواج الأقارب مما يؤدي إلى العديد من التشوهات القلبية والعينية...إلخ· بينما الزواج من غير الأقارب يعطي فرصة للطفل بأخذ مورثات متنوعة وغير متشابهة مما يؤدي إلى زيادة في سلة المورثات التي يمكن أن يحملها الطفل وهذا يقلل فرص الإصابة المرضية· وحسب مصادر أخرى، فإن الجزائر تضم أزيد من 30 ألف مصاب بتريزوميا 21 أو ما يعرف ب "المنغوليين"، بمعدل ستة آلاف حالة جديدة كل سنة، فيما تبين أن زواج الأقارب والزواج المتأخر يعتبران من أهم الأسباب المؤدية للإصابة بمرض التريزوميا 21، حيث يقع احتمال تسجيل حالة في 2000 ولادة للنساء المتزوجات في سن العشرينات، كما تسجل حالة في كل 400 ولادة للمتزوجات في سن الثلاثينات، وحالة في كل 100 ولادة للنساء المتزوجات في سن الأربعينيات· كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن الإسلام لم يمنع زواج الأقارب ولكنه حث على الابتعاد عنه، وهنالك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على عدم الزواج من الأقارب، كحديثه صلى الله عليه وسلم "غربوا في النكاح"·