تنتشر بولاية الشلف الكثير من العادات والتقاليد غير موجودة بمناطق أخرى من الوطن سواء تلك المرتبطة بمناسبات الأفراح ،الأحزان أو فيما يخص العلاقات القائمة ما بين الأفراد والجماعات. ويدين غالبية فئات المجتمع الشلفي إلى موروث تاريخي مرتبط بأجدادهم لم يتخلصوا منه إلى اليوم إلا بعض الاستثناءات. ورغم تطور درجة الوعي إلا أن الكثير من الشيوخ خاصة في المناطق النائية والجبلية لا يزالون متشبثين بعادات وتقاليد قديمة جدا يورثونها لأبنائهم وأحفادهم ويحضونهم على العض عليها بالنواجذ حتى لا تضيع أو تفنى كالوعدات التي تقام سنويا لعدد كبير من أولياء الله الصالحين والذين لا تخلو منهم أي منطقة من مناطق الولاية، ورغم ابتعاد الكثير من الأبناء عن هذه العادة المتوارثة إلا أن الكثير من الآباء والأجداد لا يزالون يواصلون إحيائها رغم النفور الذي يلاقونهم من شباب العصر الحديث، بدعوى أنها بدعة وشرك. وتشتهر منطقة من الولاية بولائها لإحدى هؤلاء الأولياء الصالحين في كل ما يتعلق بعاداتها وتقاليدها، وبالأخص فيما يتعلق بطقوس ومراسم الأفراح والأعراس التي تقام بمدينة "تنس" والبلديات القريبة منها على طريقة ووصية الولي الصالح سيدي معمر المشهور بطريقته وبعرفه في تيسير الزواج للمعوزين و الفقراء بمدينة تنس، والتي تمتد إلى حدود ولاية تيبازة والتي تدين في الكثير من هذه الطقوس إلى هذا الولي. الزواج بمدينة تنس.. بالمجان إذا ما قدّر لشخص من ولاية الشلف أن تقدم لخطبة فتاة ما فعليه بداية أن يسأل إذا ما كانت "معمرية" أو محمدية أي إن كانت تنتسب إلى طريقة الوالي الصالح "سيدي معمر"أو تتزوج كسائر بنات الناس، فإن كانت تنتسب إلى الطريقة الأولى فعليه أن يختار الخضوع إلى "طريقتهم" أو الترك، كما أن الكثير من العائلات بمناطق "تنس" وبلديات الشريط الساحلي وحتى بعض البلديات الواقعة في الجهة الشمالية للولاية ك"بوزغاية" و "سيدي عكاشة" و "أبو الحسن" و "أولاد فارس" تتبع إلى هذه الطريقة بصفة آلية ودون نقاش. ولا يتم عادة الزواج إلا من خلال المنتسبين إلى طريقة الولي"سيدي معمر" دون غيرهم من بقية العشائر الأخرى. وكثير ما يفضل الخاطبون المتقدمون إلى الزواج من إحدى بنات الطريقة المعمرية،التراجع والتخلي عن هذا الزواج الذي قد يجر عليه الويلات إن هو خالف العادة حسبما يعتقد الكثير من الناس بهذه المناطق، وكثير من الشباب لا يحب المغامرة بزيجة لا يعرف مصيرها. و قليل جدا من يرضخ ويقبل بشروط أهل العروسة و"الدخول في عرف المعمريين" حتى يصبح واحدا منهم له مالهم وعليه ما عليهم.. وتعرف نفس المنطقة هذا الزواج المعروف بالزواج بالربعة دورو وهو سعر رمزي لم يعد معمولا به الآن، إلا أن مهر العروسة ليس كباقي المهور المقدمة وبمناطق أخرى من الوطن، حيث لا يزال المهر رمزيا حسب هذه الطريقة التي لا تزال تحكم عادات وتقاليد السكان المحليين خاصة ما تعلق بمراسم الزواج. مراسم زواج....أم طقوس عبادة؟ وإذا كان التقليد المعمول به في أغلب مناطق الجزائر في مجال الزواج يقضي بأن يقدم الخطيب لخطيبته مجموعة من الهدايا في المناسبات الدينية كالعيدين، المولد النبوي الشريف، عاشوراء، حيث يذهب رفقة أهله إلى بيت خطيبته ويقدم لها تلك الهدايا، فإن الأمر في عرف "سيدي معمّر" يختلف حيث أن الخطيب يشتري هدايا وحلويات لخطيبته غير أنه لا يسلمها لها في المناسبات والأعياد الدينية، إذ يرسلها إليها لتلقي عليها نظرة رفقة أهلها، ثم تعيدها إليه ليحتفظ بها إلى غاية يوم الزفاف، وترتدي العروس ملابس خاصة بالزفاف كالملحفة المكونة من قطع من القماش مربوطة ببعضها البعض ويشترط فيها أن تكون ذات لون أحمر وأبيض، كما يشترط أيضا أن تتولى امرأة عجوز إلباسها للعروس. ويقوم أهل العروس بإرسال العشاء وكمية من الدقيق وخروف أو كبش، وخضر وفواكه إلى أهل العريس أربعة أيام من قبل. ويوم الزفاف في عرف "سيدي معمّر" هو يوم الأربعاء حيث ترتدي العروس في هذا اليوم قطعا من القماش أبيض وأحمر غير مخيّط، تضم إلى بعضها البعض بخيط من الصوف، كما يشترط أيضا أن يهدى هذا اللباس إلى العروس من قبل أحد الأقارب يشترط فيه أن يكون من أتباع الطريقة المعمرية. أما الحزام الذي يشّد به على وسط المرأة يجب أن يسبّع سبع مرات حولها، كما يمنع على العروسة في هذا العرف أن تتجمّل أو أن تضع بعض المساحيق أو شيئا من مواد التجميل، ويمنع عليها أيضا وضع خاتم أو الحلي والمجوهرات، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الملابس الزائدة من الإزار والملفوفة حول صدرها يتشكل معه كيس توضع به كميات من الحلوى والتين واللوز، حيث تلقي بها العروسة إلى الحضور من الضيوف الذي ينتظرون خارج البيت الذين يسارعون إلى التقاط هذه الحلوى بل ويتهافتون عليها بشكل مدهش وكأنهم يرونها لأول مرة دون أن يجدوا لذلك تفسيرا إلا بكونها تحمل"بركة" الولي الصالح. وقبل أن تخرج العروسة من بيت أهلها يؤتى بجلد خروف يوضع على الأرض بشكل مقلوب توضع فوقه قصعة (جفنة) ثم تجلس فوقها العروسة لكي تربط لها القواعد من النساء الحنّاء في يديها ورجليها، كما يشترط أن تخرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها حافية القدمين و بالموازاة مع ذلك يتم إشعال الشموع.. وإذا كان المألوف حاليا أن تزف العروس إلى بيت زوجها في موكب كبير من السيارات تتقدمهم هي في سيارة فاخرة، مرفقة بأبواق السيارات وأهازيج الموسيقى وزغاريد النسوة فإن الأمر على طريقة"سيدي معمر" يختلف عما هو معمول اليوم في مختلف أنحاء الجزائر حيث يشترط أن تخرج العروسة من بيت أهلها على ظهر فرس والناس من ورائها يتبعونها، وعندما يأتي أهل العريس لمرافقة العروسة إلى بيت زوجها لا يقدم لهم أي شيء من المشروبات والحلويات كما جرت عليه العادة في أنحاء أخرى من الجزائر، كما لا يتبادل أهل العروسين الهدايا ولا الأكل في فترة الخطوبة. وفي صبيحة العرس يؤتى إلى العروس برحى حيث تقوم برحي ما يعرف في الجزائر ب "الدشيشة" وهي عبارة عن قمح مطحون ثم تقوم بطبخها ليفطر عليها الجميع في صبيحة العرس. و يجب أيضا أن تبقى العروس بلباس "سيدي معمّر"، أي اللباس الأبيض والأحمر، وبدون مساحيق أو تجميل ولا حلي أو مجوهرات. هذا بالإضافة إلى أنها تقضي الليل في بيت حماها وهذا يوم الأربعاء، وتنام على الأرض. ماذا لو خالف أحدهم "عرف سيدي معمر"؟ تسري بالمنطقة مقولة أن من يخالف عرف "سيدي معمر" يمكن أن يصاب ببعض المشاكل في حياته الزوجية كأن تصاب المرأة بالعقم، وإن قدر لها أن ترزق بذرية فتأتي معاقة أو مصابة بأمراض وتحكي الرواية الشعبية المحلية أنه نادرا ما تدوم العشرة الزوجية المخالفة للعرف المعمري. كما أن المخالفين لعرف الولي "سيدي معمر" يمكن لهم أن يستدركوا حسب العرف ما فاتهم من عدم التثبيت بالطريقة عن طريق إعادة بعض القواعد الناقصة، ويروي البعض أن ممن أتموا ما نقص من هاته الخطوات عاد إليه ما كان ينقصهم من سعادة أو ذرية أو زالت عنه أمراضه، حسبما يعتقده الكثير من الشيوخ والعجائز من سكان المنطقة الممتدة على طول الشريط الساحلي للولاية وحتى مشارف دائرة أولاد فارس. هل الطريقة "المعمرية" في طريقها إلى الزوال حسب الباحث ابن المنطقة "محمد زيان" الذي التقينا به والذي يعد دراسة أكاديمية عن الزواج التقليدي أو ما يعرف بالزواج "المعمري" بالمنطقة، فإن هذا النمط من الزواج في طريقه إلى الزوال لخضوعه حسب الباحث إلى ما عرفه النمط الزواجي من تقديس واحترام من قبل المجموعة التي أحاطته بهالة من الخرافة والحكايات التي تفيد أن من يحاول خرق هذا العقد الاجتماعي مع هذا الولي تصيبه اللعنة والمصائب، كما أن المعمرية انقادوا لسلطة هذا المذهب الذي وضعه الولي الصالح والشيوخ الدينين لمصلحة المجتمع عبر إعلام فعل فعله في كبح الإرادة الحرة للبعض. وفيما يخص تفضيلات الزواج لدى المجموعة "المعمرية" فمجتمع المعمرية عرف نوعين من السلطة في اختيار الزوج المناسب بين سلطة الآباء وسلطة الأبناء . فاختيار الوالدين لازال يأخذ أهمية لدى الجنسين لكنه بنسبة أقل من الاختيار الفردي، وهذا يفسر تبدل الأوضاع عن الماضي حيث كان الوالدان يلعبان دورا كاملا في تزويج أبنائهم حتى من دون قبولهم حيث غالبا ما كان الزوجان لا يلتقيان إلا ليلة الدخول، فقبول الوالدين كان يمثل شرطا أساسيا لاكتمال الفرحة، وإلا كان الزواج بلا معنى، أما الزواج الذي يختار فيه العريس عروسا من دون إعلام والديه أو قبولهما فيسمى" بالزواج المشروط إذ يحط من قيمة العائلة ويؤدي لغضب الوالدين. ويشير نفس الباحث في دراسته المقدمة لنيل شهادة الماجستير إلى أن نسبة كبيرة من الفتيات يرغبن في الزواج خرج مدينتهم أو منطقتهم وهو ما يعني الخروج عن قيد عرف الولي"سيدي معمر" واكتشاف أماكن غير مألوفة لديهن، كما أن لفرص التعليم والاختلاط بين الجنسين. ويعطي الباحث أهم عامل ساهم في تقلص هذا العرف إلى تحضر معظم البدو، وشبه البدو، وهذه التحولات أصبحت متسارعة غداة الاستقلال من تصنيع البلاد، تعليم البنات وعملهن، التعمير والهجرة الريفية الهامة، ورافقتها عن طريق التفتح الكبير على العالم الخارجي الهجرة نحو الخارج، ووسائل الإعلام الحديثة ونسج علاقات مع مختلف الدول والثقافات و الأجناس المتعددة حيث أن هذه التغيرات أثرت بصورة مباشرة على تركيبة المجتمع وبنائه .و يشهد الكثير من الناس بان هذه الطريقة- على غرابتها- ساهمت في التخفيف من العنوسة بين أبناء وبنات المنطقة وجعلت من يسر المهر باب مفتوحا لعدد كبير من الزيجات الناجحة عكس ما هو سائد حاليا .