بقلم: علي فخرو سأخالف الآخرين وأتوجه إلى الله العلي القدير بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد بدعاء غير انتهازي وغير مخالف لسنن الكون التي وضعها. فيا رب العالمين لن أطلب منك أن تشمل أمة العرب ووطنها الكبير بالسلام والمنعة والخروج من الجحيم الذي تعيشه شعوبها خارج السنن التي أوضحتها للبشر في رسالاتك الإلهية وعلى ألسنة رسلك. فأنت الذي قلتها بصوت مجلجل بأنك لن تغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأنت الذي قرنت الإيمان بالعمل الصالح وقرنت الحق بحمل مسؤولية الأمانة ولذلك فدعاؤنا غير البليد وغير الانتهازي هو أن تعيننا نحن العرب على أن نغير ما بأنفسنا وما حولنا قبل أن نطلب رحمتك وتحقق الاستعانة المؤمنة بك. بدون ذلك سيكون السلام الذي نطلبه كاذبا وستكون المنعة التي نرجوها مؤقتة. تغيير ما بأنفسنا وما حولنا وحمل الأمانة يتطلب أن تقتنع الشعوب العربية بجملة منطلقات تناضل من أجلها ليل نهار ولا تتنازل عنها تحت أية ظروف وبافتعال أية ذرائع. أولا هناك موضوع استرجاع الدين من يد الذين اختطفوه من ساسة مستبدين وعلماء دين فاسدين ومؤسسات دين متخلفة. لقد عانت شعوب الأمة عبر تاريخها الطويل من الاستغلال الانتهازي للدين في سبيل أطماع جاه السلطة وتركيزها في يد أقليات وفي سبيل تبرير تجمع الثروات في يد أقليات جشعة أنانية وفي سبيل تبرير ادعاءات بأفضليات قبلية أو عائلية نسبية أو مذهبية أو عسكرية أو تاريخية. ولقد تم كل ذلك من خلال إضفاء القدسية على مدارس ومذاهب وضعها أحيانا بشر مجتهدون وأحيانا بشر مغرضون.اليوم نحتاج نحن العرب أن نخرج أنفسنا من فوضى اختلاط الدين بالسياسة والاقتصاد والصراعات الاجتماعية حتى نعيد للدين وهجه ونقاءه ليصبح مصدرا لنمو الإنسان الروحي ولقيم وأخلاقيات وسمو حياة المجتمعات وعلاقات مكوناتها. ثانيا لقد عانت مجتمعاتنا وشعوبنا من غياب فكر سياسي واقتصادي منطلق من مقتضيات العدالة والحرية والمواطنة الجامعة والحقوق الإنسانية المتزنة السامية واحترام الكرامة الإنسانية. هنا أيضا جرى استعمال قراءات خاطئة للدين لتبرير ذلك الغياب بل لتجذيره في الوجدان العربي. فكانت النتيجة فاجعة الغياب شبه الكامل للنظام الديمقراطي السياسي والاقتصادي العادل المبني على الشرعية التعاقدية في السياسة والعدالة الاجتماعية في الاقتصاد والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. على ضوء فواجع تاريخ الأمة وحاضرها والتلاعب بمقدراتها من قبل أقليات لابسة لأقنعة بمسميات كثيرة أصبح موضوع الديمقراطية والأسس التي تقوم عليها هو أحد المداخل الكبرى المفصلية التي يجب ألا نتنازل عنها قط تحت أية ظروف ولأية مبررات بل إن حل الفوضى في حقل الدين لن نصل إليه إلا بتوفر الحدود الدنيا من متطلبات الديمقراطية الحقة وغير المزيفة والمتلاعب بها. ثالثا هناك موضوع تلاعب الخارج المتمثل في الفكر والممارسات والاحتلال الصهيوني لفلسطين وفي القوى الاستعمارية الغربية وفي التدخلات الإقليمية المتعددة الأشكال. إنه موضوع بالغ التعقيد لكنه أصبح أكبر المصادر المهددة لأية نهضة لأمة العرب لقد أصبح تكالب تلك القوى كابوسا يعيشه العرب يوميا وأصبح وطن العرب أكثر الأوطان استباحة وضعفا وتمزقا. وعلى الرغم من كل ذلك ابتلي العرب بأصوات تتعايش مع هذه الأخطار وتتلاعب بأولويات الأمة وتزيف قائمة أعدائها باعتداء مفجع على التاريخ والجغرافيا ومنطق السياسة والهوية العروبية. رابعا هناك موضوع الطريق المفصلي المؤدي إلى الاستقلال السياسي والاقتصادي الصحيح وإلى مقارعة الأعداء وإلى التنمية الإنسانية الشاملة إنه موضوع وحدة الأمة والوطن. لقد أثبتت السنون والإحن والمحن المفجعة وتعثر محاولات النهوض من التخلف الحضاري أن الدولة الوطنية العربية لا تستطيع أن تنهض بدون محيطها العربي وبالتالي بدون نوع من توحد العرب في كيان واحد. ليست التفاصيل هنا مهمة وإنما التمسك الشديد بالمصير المشترك ووحدة السيرورة في التاريخ وما يعنيه كل ذلك في تطبيقات السياسة والاقتصاد والثقافة. بدون نوع من الوحدة العربية سيسير العرب عكس منطق العصر وعكس متطلبات بناء القوة الحضارية. وبالتالي أصبح رجوع وهج المشاعر والشعارات والنضالات القومية العروبية الواحدة التي تكالب الأعداء في الخارج والداخل على تشويهها أو إنكارها أو محاربتها أصبح ضرورة وجودية للجميع. لقد أثبتت تجربة دول الخليج العربي أن المال وحده لا يكفي وتجربة مصر أن الكتلة السكانية وحدها لا تكفي وتجربة العراق أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي. منطق الوحدة هو وحده القادر على سد الثغرات وتجييش القوى وتهيئة كل المتطلبات المادية والمعنوية الفاعلة. دعائي يا الله بأن تهدي العرب لوعي كل ذلك والإيمان بأهمية كل ذلك والنضال من أجل كل ذلك وأن يتوجهوا إليك بطلب مباركتك وإحسانك بعد أن يكونوا قد غيروا ما بأنفسهم وما حولهم. قبل أن يتم كل ذلك أعتقد أنا المؤمن بك وبرحمتك وبقدرتك بأن الأدعية ستكون استهزاء بسننك الكونية الصارمة وبالأمانة التي طلبت منا حملها.