الشيخ: قسول جلول نتلقى يوميا كما هائلا من الاستفسارات ورأي الدين في مسائل مختلفة مناسباتية وغير مناسباتية ولقد فرحنا بأن مجتمعنا وضع الثقة في علمائه وأئمته للإجابة على أسئلته واستفساراته وانشغالاته بعدما كان يسأل عنها في بلدان أخرى وعبر قنوات أخرى ولكن هذا الانشغال أخافنا وأرعبنا من خلال انشغالات وتساؤلات المواطن لأن هذه الأسئلة غير بريئة كما يقال ! أردنا استغلال هذه الانشغالات والتساؤلات لمعرفة الهدف من ورائها أسئلة ملغومة توحي بأن هناك أيادي آثمة تبث أفكارا مسمومة . ستعرفون الأبعاد الخطيرة لهذه التساؤلات عند تحليلها : كنا نُسأل عن العمل والتعامل مع البنوك في البيع والشراء بصفة عامة ولقد سال حبر كثير منذ أكثر من 56سنة فأجمعوا على أن العمل في البنوك حرام ووضع المال فيها حرام فجفت الأقلام ورفعت الصحف ! ورغم فتح مشروع الصرافة الإسلامية قيل بعدها بأنها تتعامل مع البنك المركزي وهو يتعامل بالأموال الربوية فجفت الأقلام ورفعت الصحف ! ويقولون قيل لنا بأنها حرام! كنا نُسأل عن العمل والتعامل مع الجمارك ويقولون قيل لنا بأنها حرام وسال حبر منذ أكثر من 56سنة فأجمعوا أن العمل حرام لأنهم عصابة قطاع طرق فالعمل معهم بالتصريح الكاذب ضرورة دينية وعدم تمكينهم ضرورة شرعية ! كنا نُسأل عن العمل والتعامل مع الجمارك ويقولون قيل لنا بأنها حرام! وهم عصابة وقطاع طرق يجب عدم تمكينهم ومساعدتهم بأي شكل من أشكال المساعدة ! كنا نُسأل عن العمل والتعامل في التأمينات على مختلف أنواعها وفروعها فالعمل فيها حرام وكراء المحلات ويقولون قيل لنا بأنها حرام ! كنا نُسأل عن العمل والتعامل مع مؤسسات الدولة وهنا نضع علامات استفهام كبرى لتساؤلات كثيرة فمشاريع الدولة تشغيل الشباب بأنواعه ويقولون قيل لنا بأنها حرام ! ماذا بقي لمجتمعنا ؟ هذه الأفكار هي التي يحب مناقشتها والكلام عنها وتصحيحها من أهلها والسكوت عنها سكوت على الحق وهي مؤامرة في ثوب ديني لأنها تقضي على أركان الدولة ومؤسساتها ...وتهز المجتمع وتقطع أوصاله !! فهذه الأفكار المسمومة التي تهدف إلى التشكيك في كل شئ ..وفي جميع المؤسسات .لماذا السكوت عنها.؟ فإذا كانت الضرورة الاقتصادية جعلت قائمة من المنتوجات ممنوعة من الدخول إلى المجتمع للمحافظة على الأمن الإقتصادي واتوازنات المالية فكيف بالمنتجات الفكرية التي تهز المجتمع فأولى الضرورات محاربة وكشف هذه الأفكار المسمومة ... .من يبث هذه الأفكار ؟ هل يمكن أن نعرف الجهة المفكرة في مكاننا والموجهة لمجتمعنا .؟ طبعا هي معروفة مكانا وزمانا ولكن .. أليست لدينا مؤسسات تدافع عن نفسها وعن رسالتها ؟؟ نعرف جميعا أن الشباب هم القوة الأولى في المجتمع وعليهم الاعتماد في نهضة الأمم بعزيمتهم وأخلاقهم فعلى أكتافهم تُبنى الدول وتزدهر الحضارات وبهم يُدحر الباطل ويعلو الحق وتُقتلع شوكة الفساد وتُغرس نبتة الخير وهم صانعو الأفكار ومنتجو التغيير ومن حق الجزائر على أبنائها أن يكون شبابًا واعيًاً عالي الهمة يقدّر للأمور قدرها لا ينخدع بزيف المبطلين وتحريف الغالين والأسرةُ هي المحتضن الأبرز لإعداد الشباب وبناء الشخصية ومنها يصدر الخير أو الشر ومنها ينجُم الانحراف أو الصلاح وعندما تفقد الأسرةُ دورَها وتضيِّع رسالتها وتقصر في تربية أبنائها تترك بذلك أبناءها هدفاً سهلاً للمتآمرين على الجزائر ونشر الأفكار المنحرفة المسمومة التي تضلهم باسم الدين فيكفرون مؤسساتهم ويشككون في قيمهم ويعادون أوطانهم. في الحقيقة أن الدين أعظم حصانة للشباب من كل انحراف قال الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}. ففي غياب الدين الصحيح والإيمان القويم والمنهج الوسط يكون الشباب معرضًا للانحراف ويقع فريسة سهلة في أحضان الأعداء أو الوقوع في مصائد المنحرفين أو يسيطر عليه الضياع حتى يصبح كالسم في جسد الأمة والمعول الذي يحطم مستقبلها ومستقبله ويهدم كيانها وكيانه. وفي الشباب الصناع والمحترفون إذا صلحوا سعدت بهم أمتهم وقرت بهم أعين آبائهم وأمهاتهم وامتد نفعهم وحسنت عاقبتهم: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائِهم وأزوجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بِما صبرتم فنعم عقبى الدار} إن المحافظة على شبابنا من الأفكار المسمومة من أسمى المهمات فكلما يظهر أمل لفائدة شبابنا تظهر ترسانة مثبطة تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم إيديولوجيات وأفكار أقل ما يقال عنها تغريرية تغريبية تسود كل مشروع (لايعرفون فقه الموازنة ) ولا يعرفون قاعدة دفع المضرة مقدم على جلب المصلحة ) لاسيما في هذا الوقت مع انتشار وسائل التواصل والاتصال الحديثة التي لها اكبر الأثر في الانحراف الأخلاقي والفكري و تساهم في سرعة انتقال المعلومات المغلوطة مما يعرض الشباب للاستغلال والتلاعب من قبل أصحاب الشهوات والشبهات فيوقعوهم فيما يعود بالضرر عليهم وعلى دينهم ومجتمعهم ودولتهم حيث يتم التغرير بكثير من الشباب والشابات واستغلالهم لهدم استقرارهم بزعم تحقيق الحرية ونصرة الإسلام أي أستعمال المقدس للوصول إلى أشياء غير مقدسة والحقيقة أنها مغالطات وتضليل وهذا كله يوجب علينا أن نبذل الأسباب التي تحفظ شبابنا من الأفكار الدخيلة فإن الوقاية خير من العلاج. إن من أعظم وسائل تحصين الشباب تنشئتهم على القيم والمبادئ السامية من التربية الإيمانية القويمة والأخلاق الفاضلة الكريمة والقيم الاجتماعية والوطنية العالية فيقوى بذلك عندهم الوازع الديني والترابط الاجتماعي والانتماء الوطني والولاء لمؤسساتهم التي تبذل كل جهدها لنعيش في سلام وأمان فعلى الشباب أن يعوا هذا ويحرصوا على الارتقاء بأنفسهم والمحافظة على هويتهم الإسلامية الصحيحة دون تفريط أو إفراط وإنما بوسطية واعتدال وفهم صحيح. وأن يتحروا الذي ينفعهم ولا ينخدعوا بالإشاعات ولا يغتروا بكل معلومة منشورة في الشبكات ووسائل التواصل الاجتماعي لاسيما في باب الفتوى والخطاب الديني فليس كل ما ينشر صواباً وليحذروا من الذين يوظفون الشعارات البراقة لخداعهم فليس كل مدع نصرة الإسلام ناصره وليجتنبوا التيارات والثقافات التي تهدد قيم اليسر والسماحة والاعتدال وليكونوا يقظين ولا يثقوا فيمن لا يعرفون فلا يصح الوثوق بكل أحد إذ هناك المحسن والمسيء والصادق والكاذب والصالح والطالح قال ربنا تبارك وتعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور}. وحيث أننا نعيش في عصرنا الحالي ثورة إعلام واتصال متميزة ومؤثرة وبخاصة على فئة الشباب فلا بد لوسائل الإعلام والاتصال أن تأخذ دورها في التوعية والتوجيه وأن تأخذ بيد الشباب نحو بر الأمان وأن لا تكون سببا في ضياع الشباب وانحرافهم قال الله تعالى : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) ) سورة الأنفال. o فلا بد من توجيه الشباب لمعرفة الصورة المشرقة للإسلام دين الوسطية والبعد عن الغلو والتطرف وكذلك تحذيرهم من الخروج عن جادة الشرع والتحلل من أحكامه وقيمه قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. ومن الأمور التي تحفظ الشباب من الأفكار الهدامة العلم لأن العلم عاصمٌ من الضلالة وحام من الغواية والفتنة قال تعالى: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}. وقال الحسن البصري رحمه الله : الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها الجاهل . الأئمة دورهم كبير في توعية وتوجيه الشباب فهم الذين اعتمدت الأمة عليهم في تنمية عقول الشباب وتعليمهم وعلى أيديهم يتربى الشباب على الإيمان والتقوى ومعاني الخير وحب الوطن وصدق الانتماء قال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ فإننا ندعوهم إلى المزيد من الاهتمام والعطاء فعلى أيديكم أيها الأئمة الكرام ينهض الشباب ويرتقي ويسمو إلى درجات التميز والعطاء والإنجاز.. لأن في المساجد يتزودون فيها بزاد الإيمان ويتعلمون في رحابها كتاب الله تعالى وحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويتعمق لديهم الوعي بدينهم ويقوى فيهم الوازع الإيماني الذي يدعوهم إلى الالتزام بالسلوك الإيجابي والأخلاق الفاضلة مما ينعكس على استقرار المجتمع وارتقائه ورقيه وحضارته فدور المسجد في المجتمع لا يقتصر على إقامة الصلاة فقط بل هو أيضا منارة علم وتوجيه ومن دوره رعاية الشباب واحتضانهم وحمايتهم من الآفات المتنوعة والأفكار المتطرفة والانحرافات المضللة.