الحكم الشرعي لا يتغير الربا حرام؟.. قضية للنقاش بقلم: الأستاذ قسول جلول أصول التحريم في المعاملات ثلاثة: الضرر والغرر والربا الكلام عن الربا موضوع في غاية الأهمية والخطورة لأنه يتعلق بإحدى الكليات الخمس حفظ المال ولقد سمى الله المال الذي في أيدي الناس مال الله إلا أن الله جل جلاله تفضل على عباده باستخلافهم فيه قال تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) سورة الحديد الآية: 7 فأصل الملك لله سبحانه وتعالى وأن العبد ليس له إلا التصرف والله جل جلاله سيحاسبه عن هذا المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه. وقد بيّن الله تعالى أن المال قوام الحياة وأن معايش الناس وقيامهم بالمال قال تعالى: (ولاتُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) سورة النساء الآية: 5 واجب على كل مسلم ولقد فرض الإسلام على العباد أن يسعوا ويبذلوا الجهد لكسب المال فقد روى الطبراني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلب الحلال واجب على كل مسلم- وجوباً فرضياً ومن أكل أموال الناس بالباطل الربا حيث يلد المالُ المال وتتعطل الأعمال وتتفشى البطالة وترتفع الأسعار ويصبح المال دولة بين الأغنياء وتتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء وبعدها تكون الأزمات المالية الطاحنة. والنبي عليه الصلاة والسلام لعن آكل الربا وروى مسلم عن جابر قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء) ولكن إلى هنا الأمر عادي لكن هل نعرف مفهوم الربا؟ هل الربا... له علاقة بالبيوع بأنواعها؟ كالبيع لأجل البيع بالمرابحة البيع بالمضاربة وبيع السلم والتوريق... هذه الأنواع قد يكون فيها غرر... ضرر.. غش أم أن الربا يتعلق فقط بالقروض بأنواعها ؟ وهل تكون الربا في الثمنية: أي النقود أم أنها تقتصر على الأصناف التي تشترك في علة التحريم والواردة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم... علما أن مختلف التصنيفات والكتب المعتمدة التي قدمت شروحات كبيرة سواء تعلق الأمر: بربا البيوع وربا الديون أو ربا الفضل وربا النسيئة أعطت تعريفات مختلفة للربا وجعلت مفهوم الربا على المستوى العملي موضوع إشكال خاصة أن جهود الفقهاء انصرفت إلى التعليل أكثر من التعريف. لهذا نجد تباينا في العلة المشتركة التي يتم اعتمادها لتحديد المفهوم وأن علة الربا لدى الحنابلة والشافعية والمالكية (الوزن والكيل الطعم وجوهرية الثمن الاقتيات والادخار وغلبة الثمنية. وضبط المفهوم قائما على معيارين معيار اختلال المماثلة ومعيار تراخي المناجزة وأن كل العلماء المتقدمين والمتأخرين...لم يخرجوا على النصوص المعروفة لتحريم الربا ولم يجتهدو في مسائل والمستجدات ولم يعطوا أجوبة لتساؤلات كبيرة وملحة على مستوى مسايرة الحركة العالمية في تسيير الأموال وصناديق التمويل العالمية وانحصرت في التعامل المحلي مما صعب الممارسات والتعاملات المالية الحالية.. فالتشريع في واد والرؤيا الدينية في واد آخر رغم أنهم اختلفوا في عدد كبير من المسائل وكان اختلافهم مجالا واسعا للإجابة على أسئلة المواطنين ورفع حيرتهم إلا في الربا فهو باب مغلق لا أدري لماذا؟ واتفقوا على أن يبقى كذلك وجعلوا الإسلام محل التهام في تلبية والإجابة على أسئلة المواطنين... لقد سمعنا كما سمعتم بأن التعامل مع البنوك حرام لأنها بنوك ربوية وسمعتم أن التعامل المالي في السكوار حرام لأنه مال غير مأمون قد يكون تبييضا للأموال فأين المفر؟ فاتقوا الله في هذه الأمة والغريب أن بعض العلماء أفتوا بوجوب إخراج زكاة الفطر طعاما ولا يصح نقدا على ما ورد من أصناف مطعومية هؤلاء لماذا لا يشمل ذلك عندهم الربا في الأصناف الواردة في النصوص النبوية التي جاءت في كتب الحديث ولماذا يقولون ويؤخذون بالعلة في أبواب الربا ولا يأخذون بها في زكاة الفطر). فالإفتاء حول زكاة الفطر والتزامهم بظواهر النصوص والتحريم بإخراجها نقدا وعدم التزامهم با لمذاهب الأربعة وأيضا في مسائل أخرى كثيرة متشابهة معروفة ولا يقولون بأن العلة في الربا الطعم فيحرم الربا في كل مطعوم سواءً كان مما يكال أو يوزن أو غيرهما ولا يحرم في غير المطعوم. سد منيع.. لكن في موضوع الربا وجدنا عند المتشددين والذين لا يستدلون بالمذاهب كلها والمعتدلين ففي موضوع الربا يستعملون كل الأقوال والأقيسة لإثبات أن النقود والتعاملات المالية تشملها الربا بالثمنية ووضعوا سدا منيعا أمام البنوك خاصة وأمام الاقتصاد عامة وأصبح الفقه عندنا معارضة وهنا عرفت أن كل ما يأتي من الدولة من مشاريع لإدماج الشباب وفتح مناصب عمل وأمل للحياة إلا وجدنا بعض فقهاؤنا يصدرون فتاوى جاهزة لا تحتاج إلى عناء بحيث تٌوصل من فعل ذلك إلى جهنم وبئس المصير.. هذه ربا والربا حرام يعني الآية واضحة الدلالة بيّنة الحكم لا تحتاج إلى إمام..إذن أوصلنا مجتمعنا بأن الفقه عندنا لا يمكن أن يستجيب لمتطلباتنا الحياتية وليس لدينا البديل فبكوننا نتعامل بالربا والمنظومة المالية العالمية تتعامل بالربا فالذي يحرم القرض الاستهلاكي للأسباب السالفة الذكر لماذا لا يحرّم القمح والفرينة والمواد الغذائية الأخرى التي تأتي من دول تطبق المقاييس الربوية العالمية؟ القاتلة كصندوق النقد الدولي بل أن بعضهم جعل حافلات وسيارات تشغيل الشباب التي سرقت أو وقع لها حادث مرور هو بسبب الربا أو الحرب التي شنها الله عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ويدعون إلى حرمة إدخال الأموال إلى البنوك لأنها ستصبح حراما..وكل عمل في البنوك وبعض الإطارات يسألوننا عن حكم العمل في البنوك الربوية هل هي جائز أم لا؟ وأن التعامل معها تدخلك إلى دائرة الحرام وتصلك إلى جهنم وبئس المصير هل يمكن لرجل الدين أن يضع حلا وبديلا للنظام العالمي البنكي ثم ألا يوجد علماء آخرون يقول بالجواز وأن الأوراق النقدية لا ينطبق عليها ربا الفضل أو ربا النسيئة مادام أنتم ناقلين للفتوى كما أن الفتوى هي ما كانت مرتبطة بواقع ما فالفتوى على ذلك هي تطبيق الحكم الشرعي على الواقع ولا تكون الفتوى صحيحة إلا إذا كان الحكم الشرعي منطبقاً على الواقع والفقه فيه وتغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد ومعرفة الضوابط التي من خلالها يمكن أن تتغير الفتوى. الحكم الشرعي لا يتغير ولا يتبدل الحكم الشرعي لا يتغير ولا يتبدل ولا يقول بذلك أحد إن الفتوى الدينية في توحيد وتوجيه مسيرة حياة الناس إلى جادة الصواب هي حق المواطنين على العلماء والعلماء لا شك هم من يتحملون مسؤولية وفوضى الإفتاء وتبعات الفتوى التي شتت أفكارالناس وعقولهم وعائلاتهم ويسوّقونها للعامة على أنها مشتقة من أصول الدين وأنها من قول الله ومن قول الرسول صل الله عليه وسلم وأن هذه الأفكار والفتاوى المتضاربة في الجرائد والمجلات والقنوات التلفزيونية زادت في حيرة الناس فكل يقول ويفتي ويدلل ويعلل وكأنك في مجمع علمي فقهي إن هؤلاء وهؤلاء يتصدرون للإفتاء بدون علم والتي غالباً ماتكون فتواهم تبهم ولا تجلّي الحقيقة فيبيت الحليم حيرانا ولكن المفارقة أن بعض الناس يستندون إلى مرجعية عقائدية في تصوراتهم فهم يعتقدوا أن في هذا الظن سلوكاّ دينياً ومن حقه أن يقول ولو بغير علم لأن الإسلام هو قال الله قال الرسول.. هي كلمة حق أريد بها باطل وعليه فإن نتكلم عن موضوع لطالما تكلم فيه الناس وأصبح عندهم الشغل الشاغل كم من شاب دخل العنوسة لأنه يريد شراء سكن ولكنه يخشى من الوقوع في الربا...والربا حرام. كم من مؤسسة تشغيل الشباب يحمل أصحابها مؤهلات وكفاءات فشلت في تحقيق أهدافها واصطدمت بالقروض الربوية...والقروض الربوية حرام. كم تجار ورجال أعمال كبار لهم أموال طائلة...لا يتعاملون مع البنوك لاعتقادهم وقناعتهم بأنها بنوك ربوية والتعامل معها حرام... كم من تجار ورجال أعمال يمكنهم فتح بنوك خاصة إلا أنهم فضلوا تكديس أموالهم في بيوتهم لأنهم وجدوا في البنوك شبهة الحرام الربا والربا حرام.. كم من إطارات وعمال في البنوك قدموااستقالاتهم وفضلوا الأعمال الحرة خوفا من الوقوع في الربا وأن يشملهم وعيد الله عز وجل قال تعالى:(( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)) مما ينذر في حدوث أزمات وصعوبات كبيرة أمام جموع المترددين والخائفين من الاقتراب من المعاملات البنكية باعتبارها محرمة وفيها شبهة ربا والربا حرام... تساؤلات.. ولا يخفى على القارئ الكريم الدور الهائل الذي تلعبه البنوك بين المستثمر أو المدخر والمشروعات التنموية التي تصب فيها هذه المدخرات وقيام البنوك بدور الضامن لحقوق الطرفين بعقود تمويل موثَّقة تتسم بالدقة والمسؤولية كلا الطرفين وهذه النوعية من المعاملات التي تقوم فيها البنوك بصفتها الخبيرة في تحريك الاستثمار في اتجاهات مختلفة وأن ترك الفجوة بين البنوك والمواطن والمستثمر وترك الأمر على حاله وعدم إيجاد حل وإزالة الشبهات من أهل الاختصاص هو إجهاض لاقتصاد الوطني وتخريب لمشاريعها التي تعتمد أساساً على دور البنوك والمدخرات. في تحريك عجلة الاقتصاد وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة هذه الصورة تعكس الفارق والهوة بين المواطن والمستثمر والنظام البنكي المصرفي... ماذا نفعل؟ هل نترك الحال على حالك؟ أم أننا نطرح هذه الفكرة للتفكير؟ وهذه الأسئلة للتساؤل أم أننا نرتكب أخف الضررين؟ وكيف ذلك؟ هل نضع أموالنا في البنوك؟أم نجعلها في السوق الموازية لخدمة المهربين وتجار الكوكايين والدواعش والجرائم المتعددة وأيهما أختار.. وهل يسري الربا في العملات الورقية كما يسري في الذهب والفضة؟وهل قياس النقود الورقية على الذهب والفضة غير صحيح؟ وأن الربا فقط في الأصناف الستة كما ورد في الحديث هذه المسائل المهمة التي تشغل بال المواطنين وشريحة واسعة من المثقفين؟ والكلام عنها يكون ضمن رجال الاختصاص وأولي الأمر.. أيعقل أن نسكت على هذا؟ فالدولة تضع قوانين وتفتح مجالات للإدماج وتشغيل الشباب والمساعدات الاجتماعية تصطدم بمن يعلن ويفتي بحرمة هذا العمل أو هذا القرض؟.. وننبه القارئ الكريم إلى أن الفتاوى المعاصرة من الصعوبة والتعقيد والتشعب بمكان -لا سيما في مجال الاقتصاد والأموال والطب ووووو- بحيث يصعب جدا أن توفيها فتاوى فردية فالحاجة ماسة إلى أهل الاختصاص وإلى وجود الخبراء في جميع المجالات ليوصفوا للفقهاء التوصيف الصحيح ويجعلون الحلول التي ترضي الله ورسوله وتحافظ على ثقافتنا الدينية وترفع الحيرة وتزيل الشكوك بين المواطنين ونظامهم المالي ونتعاون كلنا على نفع العباد والبلاد ونسعد في دنيانا وآخرتنا.