لا بد أن كل بائع يحاول جاهدا أن يحافظ على نظافة محله، وذلك حتى يجلب أكبر عدد من الزبائن، فتراه ينظفه صباحا مساءً، بل وفي كل وقت، لكنه بالمقابل لا يحافظ على الشارع ونظافته بنفس القدر، بل إنه وبكل وقاحة يتخلص من القاذورات والمهملات التي تتراكم في محله ويلقي بها في الشارع. بعض التجّار وبقدر ما يحرصون على نظافة محلاتهم، بقدر ما يهملون الشارع، بل إنهم يرمون كلّ المهملات على الرصيف، كما لو كان الشارع ملكا لهم، وحتى المياه العكرة التي يستعملونها للتنظيف كثيرا ما يلقون بها خارجا، لا يحترمون لا المواطنين ولا أنفسهم قبل ذلك. هو ما شاهدناه في محل لبيع المأكولات بحي غار جبيلات، منظر أدهشنا ولو أنه يحدث تقريبا في كل محل، حيث راح النادل يمسح الأرضية، فألقى الماء والصابون ونظف المكان بشكل جيد، لكنه في النهاية ألقى بالماء وبحركة اعتيادية على الرصيف، ثم عاد إلى المحل كما لو لم يفعل شيئا، لكنه وما إن اقترب منا حتى سألناه عما جعله يتصرف مثل ذلك التصرف، وعما إذا لم يكن المحل يتوفر على بالوعة لصرف المياه حتى يلقي بها إلى الشارع بتلك الطريقة، وكان يسمعنا كما لو كنا نتحدث في أمر لم يطرأ له على بال من قبل، وما إن انتهينا من الحديث حتى خجل من نفسه قليلا، أو بالأحرى راح يفكر فيما يجب أن يقوله في تلك الحالة، ومن المؤكد أنه فكر في أننا يمكن أن نكون من الرقابة، ولذلك راح يتحفظ في الإجابة، ولا شكّ أنّ تلك اللحظات كانت أصعب عليه من يوم كامل من العمل الشاق، ولما لم يجد ما يقوله أجاب بلا مبالاة:»المْعلَّم طلب مني أن أفعل ذلك«!. فعلا، ف»المْعلم« لن يكون أحسن حالا منه، ولن يكون واعيا أكثر منه، بل لا شكّ أنّ الفكرة فكرته، بل لا شك أنها أمر بديهي لا يستحق حتى التوقف عنده، فبدونا بمنتهى السخف، ونحن نسأل النادل ذلك السؤال. وفي أحد المطاعم لاحظنا نفس الظاهرة، بل أبشع، وهي ما كان يفعله أحد العمال، حيث راح يلقي بالمهملات في سلة كبيرة كانت عند باب المطعم، وعندما عجزت السلة على حمل المزيد، راح العامل يرمي على الأرض، وكانت الأوراق والنفايات تتراكم فيحمل مكنسة ويدفع كل شيء إلى الخارج، ثم يعود إلى خدمة الزبائن، وهكذا أمام مرأى الجميع، والذي لا بد أنهم ألفوا مثل تلك المناظر، والتي بالفعل لم تعد غريبة. ولا يتعلق الأمر بالمحلات المختصة في الأكل، بل حتى بتلك التي تبيع الملابس والمواد التجميلية والعطور، حيث أنها ترمي بعلب التغليف المصنوعة عادة من الورق المقوى في غير الأماكن المخصصة لذلك، ثم يمر الأطفال فينثروها في الشارع، وفي تلك الحال، فإما أن يحملها عمال النظافة، وهم بالتالي يعملون فوق استطاعتهم، وإما أن تبقى مرمية بشكل عشوائي فتلوث البيئة والمنظر العام للمدينة.