قلب اللوز، والزلابية والبقلاوة وخبز تونس، وغيرها من الحلويات الرمضانية، تشكل المنظر الأساسي للأسواق الجزائرية خلال الشهر الفضيل، وليس هذا فحسب، بل إنّ الشوارع العادية، الرئيسية منها والفرعية امتلأت بطاولات الحلويات. لم تكف الأسواق العادية العدد الهائل من التجار، خاصّة منهم الموسميين، والذي يتزايدون خلال شهر رمضان، فراحوا ينصبون طاولاتهم أينما اتفق، المهم أن يكون مكانا يمر منه الناس، ويشترون تلك الحلويات، ولا يهم إن كان المكان غير مرخص بالبيع، او صالحا أصلا للتجارة بمواد غذائية سريعة التلف، وبإمكانها التقاط مختلف الجراثيم، فتتحول حينها إلى سمٍّ حقيقي يهدد صحة المستهلك، فتجد أشخاصاً يتخذون ركنا بقرب القمامة ويبيعون سلعهم تلك، والناس يشترونه منهم دون أن يفكروا في أن ذلك يمكن أن يشكل خطرا على حياتهم، بل أنّ الإقبال على هؤلاء التجار يتزايد، وأكثر من الإقبال على المحلات المخصصة لبيع الحلويات، والتي تجاهد للحفاظ على نظافتها وسلامة زبائنها، ذلك أن الحلويات في تلك الأمكنة عادة ما تكون منخفضة السعر، بل قد تكون بنصف الثمن، لهذا فإنها تثير لعاب بعض المواطنين، الذين يفكرون في بطونهم أكثر مما يفكرون في صحتهم، وهو ما شاهدناه في شارع باب عزون الذي تحول من بيع الملابس إلى بيع الحلويات، ولان الطريق كانت شبه ممتلئة بالتجار الفوضويين، فان البعض لم يستح من أن يقبع أمام القمامة، ويضع على طاولته صينية من القلب اللوز وأخرى من البقلاوة، ثم يغطيهما بكيس بلاستيكي كما لو كان يريد أن يحميهما من الأوساخ التي كانت تحيط، او بالأحرى كان يحاول إيهام المواطنين أنها بتلك الطريقة محمية، ولا خطورة منها، وفعلا فقد انطلت حيلته على بعض الزبائن الذين أعماهم سعر الحبة الواحدة، وهو خمسة عشرة دينارا، على أن يبصروا إلى ما يحيط بالبائع وطاولته تلك، وعند حديثنا مع البائع هوّن الأمر قائلا:"آتي بصينيتي هذه في منتصف النهار، ولا أكاد أضعها حتى تنتهي فاجلب أخرى من الخباز المقابل، فلا يكفي الوقت لأن تتسخ، كما أنني احميها بهذا الغطاء البلاستيكي، الذي يجعل الحشرات تبتعد عنها، وأنا أمارس هذه المهن منذ ثلاث سنوات، ولم يسبق أن اشتكى لي مواطن منها، او أصاب زبوناً مكروهٌ ما". أما الزبائن، فلم يسئهم ذلك المنظر، وعند رؤيتهم ملتفين حول تلك الصينية، تحسب أنهم أعجبوا بذلك المكان، وقد اقتربنا من السعيد، الذي كان ينتظر دوره، فقال:"صحيح أن النظافة مطلوبة، وان تواجد هذا التاجر في مثل هذا المكان من شانه أن يعرض سلعته للتلف وزبائنه للخطر، لكنني أراه يحرص على أن يغطي سلعته هذه، وهو ما يجعلني أثق فيه، كما انه يحظرها من مكان قريب، أي أنها لا تتعرض إلى التلف في الطريق، وفي الحقيقة فانك تجد سلع هؤلاء التجار الفوضويين أحسن من سلع غيرهم، ذلك أن المحلات تحتفظ بالحلويات لأيام عدة، أما الباعة الفوضويون فهم يكتفون بشراء صينية واحدة يبيعونها ثم يجلبون أخرى، لهذا فإنهم لا يبيعون حلويات قديمة، فنظافة المكان مهمة، لكن نظافة الأشخاص والباعة كذلك تؤثر".