موسم فرنسا-إسرائيل الثقافي2018 يصادف ذكرى النكبة ! بقلم: محمد مصطفى حابس * ونحن في شهر رمضان المبارك ألمني أن شعوبنا المسلمة في الغرب يغطون هم أيضا في نومهم العميق ليلا نهارا بينما يدافع غيرهم عنهم وعن قضاياهم العادلة إذ الغريب أنه من هؤلاء القوم من لا علاقة لهم لا بالدين ولا بجرح فلسطين!! إذ دعيت هذا الأسبوع من طرف أحد الزملاء المسيحيين للحضور إلى معرض حول تاريخ النكبة (الفلسطينية) تشرف عليه جمعية نجدة فلسطين السويسرية فلبيت الدعوة شاكرا له صنيعه فإذا بالمنظمين من الغرب و كل الزوار من نفس الطين وكنت حينها الزائر المسلم الوحيد للمعرض!! كانت قاعة العرض في قلب العاصمة الأولمبية يراها العام و الخاص.. إذ من بعيد تستطيع أن ترمق علم فلسطين الكبير يرصع مدخل المعرض!! لكن المسلمون يغضون البصر في شهر الصيام حتى عن قضاياهم العادلة ولا يفتحون أعينهم إلا أمام موائد الإفطار؟! فحز في نفسي ذلك كثيرا خاصة أن المعرض مدد حتى تاريخ يوم السبت 9 جوان 2018 لكي يزوره المسلمون الصائمون وبالتالي يتعرف بعضهم على جزء من تاريخهم المعاصر الاليم خاصة أنهم مشردون في الغرب ويعرفون قيمة الهجرة طواعية كانت أم قسرية.. فكتبت مراسلة داخلية طالبا من الاخوة الائمة خاصة تخصيص جزء من خطبة الجمعة للتطرق لمحنة النكبة وتحريض المصلين لزيارة المعرض حتى مع العائلات لكي تتعلم الاجيال تاريخ فلسطين ونكبة العرب مبينا لهم أنه يصادف ذكرى مرور 70 عاما على نكبة الشعب الفلسطيني نكبتان جديدتان تمثلت الأولى في نقل السفارة الأميركية إلى القدس في وقت قتل فيه قرابة عشرات الفلسطينيين وجرح المئات على الحدود مع قطاع غزة. و يتزامن هذا الحدث أي محنة النكبة مع اقتراب موعد زيارة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى باريس المقررة الخامس من جوان حيث صعّدت جمعيات وشخصيات ووسائل إعلام غربية من لهجتها منددة بهذه الزيارة التي من المفترض أن يدشّن على هامشها الرئيس الفرنسي وضيفه الاسرائيلي انطلاقة موسم فرنسا-إسرائيل الثقافي 2018 . كما نددت قبل ذلك عدة جمعيات حقوقية بهذه الزيارة داعية في الوقت ذاته إلى التعبئة من أجل التنديد بجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وشجبها خلال هذه الزيارة المشبوهة. كما لم تسلم هذه الزيارة من سهام انتقاد صحيفة ليمانيتى الفرنسية التي شددت الخميس الماضي على أنه سيكون عارٌ على فرنسا أن تفرش السجاد الأحمر لمجرم حرب في إشارة إلى بنيامين ننتياهو الذي وصفته ب جزّار غزة ودعت هيئات وجمعيات إلى إلغاء نسخة هذا العام من موسم فرنسا-إسرائيل الثقافي خاصة أنه يصادف الذكرى السبعين لعام النكبة و النكبة ليست فقط احتلال لفلسطين بل بترها جغرافيا وسياسيا وثقافيا عن أصلها و فصلها... لتبدأ بعدها منظومة التيه والشتات والمأساة لشعب برمته والتي ما زالت تفرزها النكبة لتعمل على تغيير كل ما يمت إلى تاريخ فلسطين وجغرافيتها بصلة. خطط مدروسة لا ننسى أن إسرائيل تحتفل اليوم من جهتها بالذكرى السبعين لميلادها الذي يعتبره الفلسطينيون نكبة أو كارثة حلّت بهم ودفعتهم إلى المنفى كما ذكر أعلاه فإذا كان مسؤولون ومثقفون إسرائيليون يومها قد اعترفوا بتلك النكبة عند تأسيس الدولة العبرية الوليدة فإن الصوت الإسرائيلي الرسمي تحول سريعا من الاعتراف إلى الإنكار ومهما بدا ذلك مفاجئاً فإن أول من استعمل مصطلح نكبة لوصف الكارثة الفلسطينية هم العسكريون الإسرائيليون. في جوان 1948 حيث وزعت طائرات الجيش الإسرائيلي مناشير موجهة إلى سكان حيفا من العرب الذين كانوا يقاومون الاحتلال ودعتهم إلى الاستسلام بعربية متقنة كتب فيها هذا النص: إن كنتم تريدون الإفلات من النكبة وتجنب كارثة والنجاة من إبادة لا مفر منها سلّموا أنفسكم وهي نفس الكلمات تقريبا التي كانت تستعملها فرنسا إبان احتلالها للجزائر ومستعمراتها الاخرى لكي يُسَلم المجاهدون أو الفلاقة أنفسهم وإلا حرقت القرية عن بكرة أبيها و دمرت الاماكن التي كانوا متحصنين فيها و/او مرابطين بها. طبعا بعدها بفترة وجيزة في آوت/أغسطس 1948 نشر المؤرخ السوري المسيحي قسطنطين زريق دراسته معنى النكبة والذي كتب في معرضها ليست هزيمة العرب في فلسطين بالنكسة البسيطة أو بالشر الهين العابر. وإنما هي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى . فبالنسبة للكاتب السوري يومها أصابت النكبة العالم العربي بأسره ولا يمكن أن تقتصر على الفلسطينيين فحسب وهو ما تعيشه اليوم منطقة الشرق الأوسط برمتها بل ما تبشر به تصرفات بعض حكام العرب جهارا نهارا دون أي حرج من شعوبهم وتاريخ الأمة الذي لن يرحمهم يوما ما مهما طال الزمن أم قصر!!. صادف ذلك التاريخ من عام 1948 ما أصبح يسمى بعام النكبة !! حيث هجر في يوم 15 ماي لوحده اكثر من 800 الف فلسطيني وطردوا قسرا من قراهم وبيوتهم حيث خرجوا لا يحملون معهم سوى مفاتيح بيوتهم...وآمال في العودة الى الديار في يوم ما لكن هذا اليوم لم يأتي بعد!! وها هي سبعة عقود تمر من عمر الدنيا ولم تحدث معجزة النخوة العربية بل ما نشهده ونعايشه إلا مزيدا من التمزق والتشرذم في عالمنا العربي والاسلامي.. في ذلك اليوم التعيس من بداية النكبة يذكر المؤرخون أنه طرد الاحتلال أهالي 530 مدينة وقرية فلسطينية بالإضافة الى أهالي 662 ضيعة وقرية صغيرة ليكون الشعب الفلسطيني ضحية اكبر عملية تنظيف عرقي مخطط لها في التاريخ الحديث أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع!! استخدم لها الاحتلال الماكر كعادته لبلوغ مقاصده اسلوبين أولهما الترهيب والترغيب لجعل الجاليات اليهودية الموزعة على دول العالم تأتي الى فلسطين لتقيم المستوطنات وتقضم الأراضي العربية الفلسطينية شيئا فشيئا!! أما الأسلوب الثاني فكان التقرب من الدول الفاعلة عالميا والتأثير عليها لعقد اتفاقيات واستصدار وعود تعترف بوجود حق يهودي في فلسطين فأصبحت الفرصة سانحة عندما بدأت علامات الموت السريري تظهر جليا على الامبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على المشرق العربي فاستغلّ اليهود ذلك الوضع لاستصدار وعد من بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وهو ما عرف من يومها باسم وعد بلفور .. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ونتيجة لاتفاقية سايكس وقعت فلسطين تحت الانتداب الانكليزي المباشر وهو ما أعطى فرصة كبيرة لليهود بتفعيل هجرتهم إلى الأراضي الفلسطينية إلى أن استولت اليوم تقريبا على كل التراب الفلسطيني مع أجزاء أخرى من تراب دول الجوار كسوريا ومصر واستولت أكثر أيضا على أدمغة صناع القرار في العالم أجمع. وأحب في ذكرى النكبة لهذا العام أن أُذكِّر نفسي و إخواني بمجموعة من الحقائق اليقينية القاطعة نقلا عن دراسة مطولة للكاتب الفلسطيني الدكتور صلاح الخالدي وأدعو القراء الكرام إلى تذكرها والتذكير بها وإبقائها حية حاضرة لتكون عاملاً أساسيًّا في الإسراع في حل قضيتنا الأولى وإزالة نكبتنا الكبرى عل حد قوله منها على سبيل المثال لا الحصر: 1- فلسطين قلب العالم العربي والإسلامي وأشرف وأفضل الأماكن في العالم بعد مكةالمكرمة والمدينة المنورة وهي الأرض المباركة التي باركها الله وبارك من فيها وما فيها ومن حولها وما حولها حتى قيام الساعة 2- القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى عند العرب والمسلمين لأنه لن يستقر بلد عربي ولن يأمن ولن يتقدم طالما أن فلسطين محتلة ونكبتها متواصلة. 3- يجب التعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق إسلامي إيماني قرآني ويجب إدخال القرآن والإسلام المعركة مع العنصرية اليهودية فالقضية الفلسطينية قضية إسلامية وهي قضية مسلمي العالم أجمع والانطلاق إليها من المقررات الإسلامية المتمثلة في آيات القرآن وأحاديث رسول الله وحقائق الإسلام الهادية. 4- المحتل اليهودي الصهيوني أشد عداوة لأهل فلسطين ولكل إنسان صادق مسالم ناهيك عن المسلم المخلص وهذه حقيقة قرآنية قاطعة جزم بها القرآن في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 82]. 5- صراعنا مع الصهيونية صراع طويل ممتد عبر الزمان الماضي فهو لم يبدأ منذ القرن العشرين عند وعد بلفور أو قبله بقليل أو بعده أو عند النكبة عام 1948م أو بعدها وإنما قبل أكثر من خمسة عشر قرنًا وهو صراع بين الحق والباطل.. وميدان هذا الصراع هو أرض فلسطين المقدسة المباركة وما حولها ففلسطين ليست سبب عداوتنا لهم وعداوتهم لنا إنما هي الميدان الساخن لهذه العداوة. 6- لا حَقَّ للصهاينة على أرض فلسطين لا دينيًّا ولا تاريخيًّا ولا أخلاقيًّا وإقامتهم السابقة على الأرض المقدسة فترة قصيرة من الزمن في عمر الأمم لم تعطهم حق التملك الأبدي للأرض منذ زمن سليمان وحتى قيام الساعة لأن هذه الأرض لله يورثها من يشاء من عباده المؤمنين وأكد هذه الحقيقة في الزبور الذي أنزله الله على نبينا و نبيهم داود عليه السلام قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} -الأنبياء: 105. مؤكدا في ختام دراسته أن فلسطين كلها أرض مسالمة موقوفة على الإسلام والمسلمين ولذلك لا يجوز التفاوض عليها ويحرم التنازل عن جزء منها مهما صغرت مساحته والواجب تحرير كامل التراب الفلسطيني من العدوان الصهيوني والواجب عودة أهل فلسطين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم المحتلة عام 67 وعام 48 وإجلاء العنصرية اليهودية عن أي شبر منها.. ونحن من واجبنا في الغرب كما في الشرق من باب أضعف الايمان إبقاء قضية فلسطين حية تسكن في كيان كل واحد منا مهما كان أصله وفصله محب لحقوق الشعوب و حرياتهم.. فالنكبة نكبة للإنسانية جمعاء لا يجوز نسيانها أو تجاهل الحقائق المتعلقة بها من قتل وتشريد وتدمير .. والمطلوب من الاحرار استمرار التظاهرات و نشر الدراسات والأعمال والمظاهر والفعاليات في كل مكان في العالم العربي والغربي الحر الذي يحترم حريات الشعوب وسيادتها كما تسعى إليه شخصيات محايدة في هذه الأيام منها هذه تظاهرة محنة النكبة في سويسراوفرنسا و بعض الدول الغربية هم الجميع أن يعيش الناس في أمن إخوة أشقاء على اختلاف مشاربهم في أرض مسالمة تحترم حقوق الغير و تدافع عنها بعدل و إنصاف.. وَاللَّهُ مُتِمُّ نُوره ولكن أكثر العرب لا يعلمون !!