لو أن أي مسلم سئل في مثل هذه الأيام عن أكبر سبب لفرقة المسلمين وشتاتهم، وعن سبب العنف الحادث بينهم، لأجاب بلا تردد: الطائفية والانتماء المذهبي المتعصب. هذا السبب هو المهيِّج للاختلافات بين اللبنانيين والعراقيين والمصريين والخليجيين، بل وفي مناطق أخرى من العالم الإسلامي مثل إندونيسيا. الإسلام المرتبط بالمذهب أكثر من ارتباطه بالدين وبجوهره يضيع على الناس فرصة تحقيق مقصد الإسلام الأساسي، وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً من دون فرقةٍ أو تنافر. وقد ودع علماء الأزهر وأساتذة جامعة عين شمس قبل أمس العالم المصري الدكتور مصطفى الشكعة صاحب أحد أهم وأشهر المراجع في شؤون المذاهب والفرق الإسلامية "إسلام بلا مذاهب" الذي وافته المنية عن 94 عاماً. الزميل حازم عبده كتب في خبر "الوطن" عنه قائلاً:" عُرِف الشكعة بمواقفه وآرائه الجريئة، وكان من أشدّ الغيورين على الإسلام والمدافعين عنه، وله العديد من المؤلفات الأدبية والإسلامية، أبرزها كتابه الشهير "إسلام بلا مذاهب" الذي قدم له شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمود شلتوت في عام 1960 وصدر منه خمس وعشرون طبعة، ودعا فيه إلى وحدة المسلمين بمختلف مذاهبهم ومحاربة التعصب الذي يبعث على التشرذم والفرقة. بالإضافة إلى جهوده من أجل الحفاظ على اللغة العربية، واعتراضه على تعديلات قانون الأحوال الشخصية وقانون الطفل المخالفة للشريعة الإسلامية". وكم يذكرني العالم الراحل بدعوات السيد علي الأمين، الذي أسعد كلما سنحت لي فرصة لقائه أو القراءة له أن في العالم الإسلامي من هو مثله، في دعوته للاجتماع ونبذ الفرقة بين السنة والشيعة أو بين المذاهب السنية المتحاربة، أو التوجهات الشيعية المتحاربة فيما بينها. رحل مصطفى الشكعة والعالم الإسلامي في ذروة الاختلاف والافتراق، وفي صميم التحارب، رحل وقد زاد في العالم الإسلامي بلد يكاد يعيش سياسياً على المحاصصة الطائفية وأعني به العراق. كان الغيارى على المجتمعات والشعوب يتمنون أن يزول النظام الطائفي في لبنان، لكن سرعان ما ولد بلدٌ طائفي جديد وهو العراق من خلال المطاحن المذهبية التي تعصف به. ليت أن دعوات أمثال هؤلاء العلماء المنفصلين عن الانتماء الأعمى للمذاهب والطوائف، ليت أن دعواتهم تكون منهجاً للتعايش المذهبي، وبخاصةٍ أننا نرى الإعلام نفسه وقد غدا طائفياً، بل ووضعت قوائم لمطاعم ومنتجات غذائية وفق الانتماء الطائفي، صرنا أمام عصائر سنية وأخرى شيعية... ويا له من عجب، زمن المذاهب الذي يغيب عنه مقصد الإسلام الأسمى! ------------------------------------------------------------------------