بقلم: يونس بلخام* لا شك في أن العمل التطوعي هو أرقى مرحلة قد يبلغها وعي المجتمع المدني بتحديات الواقع وضرورة التطوع من غير مقابل لخدمة المجتمع وتوطيد نسيجه الضام والحول بينه وبين أي بوادر تمزق أو تفسخ قد تهدد وحدته وإستقراره من عدة نواحي يبقى التساؤل المشروع والمنطقي : _ هل العمل التطوعي كونه مبادرة شخصية أو جماعية يلزم اللذين يقومون به على جعله مواكبا لكل التغيرات المستمرة للتراكيب المجتمعية المختلفة والذهنيات المتنوعة ويُراهن التطور التكنولوجي الحاصل ويسخره في كل تفاصيله وماهو واقع العمل التطوعي في مجتمع كمجتمعنا الجزائري وهل بإمكاننا القول عنه أنه يرقى لمستوى معين يُخوّلنا وسمه بالعمل الإحترافي؟ _ ما هي آفاق العمل التطوعي المنشودة هنا لدى المعنيين به من أفراد المجتمع المدني إلى مؤسساته التي تؤطره؟ هذه جملة من الأسئلة سنحاول الإجابة عنها زاعمين أن قلمنا سيسير بجوار الموضوعية دون تلميع أو تسويد للحقائق التي عايشناها بتجربة شخصية كوننا فاعلين في هذا المجال وعزاؤنا الوحيد تجربتنا الميدانية التي سمحت لنا بالخلوص إلى أجوبة لما طرحناه من أسئلة أعلاه. مما لا مراء فيه العملُ التطوعي هو نشاط إنساني بإمتياز يقوم به الأفراد تطوعا ومبادرة من تلقاء أنفسهم دون أن تجبرهم ظروف الحياة ومستلزماتها الغنية عن البيان وهذا النشاط الإنساني يخضع لمعايير تقييم معينة مثله مثل أي نشاط آخر هذه المعايير تمكننا وتمنحنا القدرة على الجزم بإحترافية العمل من عدمه لذلك فالإعتقاد السائد بكون العمل التطوعي عملا نمطيا كلاسيكيا هو إعتقاد خاطىء من أساسه وعلى كل معتنقي هذا الطرح تغيير نظرتهم إلى المسألة لنساهم في جعل هذا العمل بمثابة تحدّ حقيقي بمستويات مختلفة متدرجة نسعى حثيثا لبلوغ أفضلها وأرقاها وبالتالي ينعكس هذا إنعكاسا ظاهريا وجوهريا في تمتين وتوطيد الروابط المجتمعية وجعلها محصنة ضد أي أزمة عارضة تفرضها علينا كمجتمع من هذا العالم تغيرات هذا الأخير المستمرة وبإسقاط موضوعي لمفروضية كينونة العمل التطوعي على واقعنا نجد وبكل أسف نبديه أننا بعيدون عن هذه الغاية المنشودة والسقف المراد بلوغه نظريا إلا أن الرغبة موجودة لدى عديد جمعيات المجتمع المدني ومؤسساته الخيرية التي تجاهد الصعوبات والعراقيل وتصارع من أجل حتمية البقاء والنشاط وهنا يكمن البون الشاسع بين طوباوية التنظير وحقيقة التأطير وسيكون لنا مقال آخر نفصل فيه في الصعوبات والعراقيل التي تواجه كل فاعل في هذا الميدان وكإجابة شافية للسؤال الأول نقول ومن غير تردد العمل التطوعي في الجزائر لم يبلغ بعد درجة الإحترافية كما أنه لا يراعي التغير الإجتماعي الرهيب لدى أفراد المجتمع و علقياتهم وأسلوب تفكيرهم وهو لا يزال قابعا في فجّ الكلاسيكية والنمطية فمن يُؤذن في القائمين عليه ليأتوا من ذلك الفج ويعملوا على تطويره وتحيينه!!! من النافل القول أن الحديث عن آفاق العمل التطوعي بالجزائر سابق لأوانه مادام الواقع لا يرضي التطلعات ولا يواكب واقع مجتمعات غربية صار لديها هذا النوع من العمل ركيزة مجتمعية قوية وصلبة تحصنها من الأزمات المختلفة التي تمر بها وتحفظ لها حقيبة الهوية الخاصة وتعمل على تمريرها إلى ثقافات أخرى بإحترافية فائقة لتحتك بها إحتكاكَ إستفادة وتطوير كما يضمن العمل التطوعي لدول هذه المجتمعات أريحية من الناحية الإقتصادية بإستحداث آليات وطرق ناجعة لتسير النفقات المختلفة التي تخصصها الدولة لفئات معينة من المجتمع المدني فتصير بذلك المؤسسات القائمة والمعنية بالعمل التطوعي شريكا حقيقيا لمؤسسات الدولة لغاية سامية وراقية وهي الحفاظ على المجتمع ثم السهر على رفاهيته وتقدمه على جميع المستويات. هذه الحبكة الذكية التي إهتدت إليها المجتمعات الغربية بإشراك مؤسسات المجتمع المدني في تسيير الدولة من الآفاق التي نتطلع إليها في مجتمعنا ولا بد من تظافر الجهود وتوحد الأهداف وتماهي الأرآء في قالب واحد لغاية واحدة ألا وهي مجتمع يسير نفسه بنفسه. بإقتضاب وإختصار شديد كانت هذه رؤيتنا لواقع العمل التطوعي والآفاق التي نتطلع إليها وإصرارنا الكبير على الإنتقال من الرتابة الكلاسيكية النمطية إلى المرونة الإحترافية ولا يتحقق كل هذا إلا بوعي مجتمعي عميق ودعم حقيقي من الدولة القائمة لنستشعر أهمية وضرورة العمل التطوعي.