خبراء جزائريون يعدّون خطّة لتنظيمه وتطويره : رغم أن العمل التطوّعي من أعراف المجتمع وواحد من أبرز القِيَّم التي يحثّ عليها الدين الإسلامي إلاّ أنه لم يرق حتى الآن إلى أن يكون ثقافة مجتمعية عامّة في الجزائر حيث ما يزال محصورا في نطاق محدود ومرتبطا في غالب الأحوال بالمناسبات على غرار شهر رمضان الكريم ممّا يطرح انشغالا حول أسباب انحسار ثقافة العمل التطوّعي وسبل تحويلها إلى مشروع مربح. عرف النشاط التطوّعي لدى الشباب الجزائري في السنوات الأخيرة حركة دؤوبة ساهمت شبكات التواصل الاجتماعية وعلى رأسها (الفايس بوك) بشكل كبير في ازدياد وتيرتها بين الشباب الذين جعلوا من العالم الافتراضي فضاء لتلاقي أفكارهم والعالم الواقعي ميدانا لتجسيد هذه الأفكار القيمة لكن هذه الحركية لم تصل إلى حدّ الإسهام بشكل جلي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة مثلما يؤكّده عديد المختصّين. وفي السياق دعا كاتب الدولة للاستشراف والإحصاء سابقا بشير مصيطفى إلى تطوير العمل التطوّعي في الجزائر كي يتحوّل من مجرّد عمليات ظرفية يغلب عليها الطابع الخيري إلى منظومة اجتماعية تساهم في التنمية المستديمة وفي تشكيل الناتج الداخلي المحلّي من خلال مؤسّسة وطنية معتمدة. وأضاف مصيطفى في تصريح ل (أخبار اليوم) أن التحدّيات المالية والديموغرافية التي تواجه الجزائر على المدى المتوسّط تدفع إلى اليقظة المبنية على إدماج العمل التطوّعي في أهداف التماسك الاجتماعي وتصميم نموذج النمو خاصّة وأن التوقّعات جميعها تلتقي في مشهد واحد وهو توسّع رقعة الشريحة الاجتماعية المحتاجة إلى العون في آفاق العام 2030 ومنها فئة المسنّين وحاملي الأمراض المزمنة واليتامى وذوي الاحتياجات الخاصّة إضافة إلى تحدّيات تخص البيئة وزحف الرمال وتدهور المحيط وأخرى تخص مواضيع التضامن الوطني. وبادر مصيطفى للدعوة إلى إطلاق ما أسماه (المؤسسة الوطنية للتطوّع) تحت قبّعة المجتمع المدني والتي تتكفّل بوضع مؤشّرات التطوّع واطلاق بنك معلومات العمل التطوّعي ومن ثمّة تصميم سياسات التطوّع من جوانبها البشرية والمادية والمالية تحسّبا لمشهد جزائر الغد. وتطرّق محدّثنا إلى موضوع اليقظة الاستراتيجية قائلا إنها واحدة من آليات الاستشراف الممكن توظيفها في المجال الاجتماعي الخيري والتطوّعي بشرط أن تندرج في إطار مسعى وطني لصناعة الغد على أساس المعرفة والمؤشّرات الإحصائية وليس على أساس التدخّل السريع والعمليات الظرفية. أمّا أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر محمد طوبال فسلّط الضوء على غياب الأطر الاجتماعية التي تحفّز الأفراد على الانخراط في الأعمال التطوّعية في الجزائر سيّما وأن مؤسّسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها العائلة والمدرسة لم تعد تساهم في غرس مثل هذه السلوكات في شخصية الأفراد حسب ذات المختص الذي يوضّح أن الجانب الاقتصادي له دور في حصر المبادرات التطوّعية في بعض المجالات ذلك أن ثقافة الاقتصاد الحرّ تجعل الأفراد ميّالين إلي الانفرادية أكثر ومتّجهين نحو ممارسة السلوكات التي لها أثر مادي. ويرى أستاذ علم الاجتماع أنه إذا أردنا أن تكون ثقافة التطوّع ثقافة عامّة علينا الاهتمام بالتوعية الإعلامية وتفعيل المشاركة بين الشباب من خلال القطاع التعليمي وتعزيز الوازع الديني وكذا دور الأسرة والجمعيات حيث أن ضعف دور المجتمع المدني الذي لم يعد يساهم بشكل إيجابي في إرساء مجموعة التقاليد الاجتماعية منها التطوّع جعل هذا الأخير مرتبطا ببعض المناسبات الرسمية.