أفضل الصدقات يتوقف ثوابها على حال المتصدق من جهة وعلى نفعها من جهة أخرى أما من حيث حال المتصدق فإن الصدقة يعظم ثوابها عندما يخرجها صاحبها في حال صحته قبل مرضه أو دنو أجله وأن يكون ذلك من غني لا يفضي إلى فقر أو من رجل قليل المال فيتصدق قدر جهده وطاقته . (1) فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا ؟ أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان (البخاري واللفظ له ومسلم) . ولذلك قال ميمون بن مهران رحمه الله تعالى : لئن أتصدق بدرهم في حياتي أحب إليَّ من أن يتصدق عني بعد موتي بمائة درهم (حلية الأولياء) . (2) وروى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول (البخاري ومسلم) أي أفضل الصدقة ما وقع بعد أن يستبقى المتصدق لنفسه ولمن يعول قدر الكفاية بحيث لا يصير محتاجًا بعد صدقته إلى أحد . (3) وروى عبد الله بن حبشي الخثعمي رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الأعمال أفضل ؟ قال : إيمان لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحجة مبرورة قيل : فأي الصلاة أفضل ؟ قال : طول القنوت قيل : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : جهد المقل قيل : فأي الهجرة أفضل ؟ قال : من هجر ما حرم الله عز وجل قيل : فأي الجهاد أفضل ؟ قال : من جاهد المشركين بماله ونفسه قيل : فأي القتل أشرف ؟ قال : من أهريق دمه وعقر جواده (صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب) ومعنى جهد المقل أي ما يعطيه المقل على قدر طاقته . وقد روى الحسن قال : قال رجل لعثمان بن عفان رضى الله عنه : ذهبتم يا أصحاب الأموال بالخير تتصدقون وتعتقون وتحجون وتنفقون فقال عثمان : وإنكم لتغبطوننا وإنا لنغبطكم قال : فوالله لدرهم ينفقه أحد من جهد خير من عشرة آلاف درهم غيض من فيض.اه (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم الجوزية) . وهذا مصداق الحديث الذي رواه أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سبق درهم مائة ألف درهم قال : وكيف ؟ قال : كان لرجل درهمان فتصدق بأحدهما وانطلق رجل إلى عُرْضِ ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها (حسنه الألباني في صحيح الجامع) . وأما ما يتعلق بمدى نفعها فيختلف ذلك من وقت إلى آخر فكلما عظمت حاجة الناس لها عظم ثوابها ولو كان المحتاج لها رحمًا مخاصمًا غير مرغوب فيه. فعندما عظمت حاجة الناس إلى الماء أوصى صلى الله عليه وسلم من سأله عن أفضل الصدقات بسقي الماء وعندما احتاج المجاهدون إلى الدعم المالي أوصى صلى الله عليه وسلم من سأله عن أفضل الصدقات بالإنفاق في سبيل الله .